فرنسا على حافة الهاوية: قراءة تحليلية لأفكار عبد الله النعمة

0
282

يرى عبد الله النعمة أن الأزمة التي تعيشها فرنسا اليوم ليست مجرد أزمة اقتصادية تُقاس بأرقام الدين والعجز، ولا مجرد شلل سياسي مؤقت، بل هي مرض حضاري عميق يفضح فجوة متزايدة بين ثقافة المجتمع الفرنسي ونظام الحكم، ما أسماه بـ”الطوفان الثقافي”.

بحسب النعمة، الصراع في فرنسا اليوم ليس محلياً فحسب، بل يمتد ليشكل خط صدع جيوسياسي قد يؤثر على أوروبا بأسرها، ويعيد تشكيل الصراع بين “الحضارات الثلاث”. سقوط حكومة فرانسوا بايرو واحتجاجات “لنغلق كل شيء” في سبتمبر 2025، بحسبه، ليس مجرد أحداث عابرة، بل تعبير عن مرحلة متفجرة من هذا الطوفان الثقافي، حيث يتصادم النظام المعولم مع توقعات المواطنين في الرفاهية والرعاية الاجتماعية.

تشخيص عبد الله النعمة للأزمة

يشير النعمة إلى أن الأرقام الاقتصادية ليست سوى أعراض المرض: الدين العام الفرنسي تجاوز 113% من الناتج المحلي، وعجز الميزانية 5.8%، وهو ما يعكس هشاشة النظام المالي والاجتماعي. احتجاجات “السترات الصفراء” ورفض إصلاح التقاعد كشف، في تصور النعمة، عن شرخ عميق بين الشعب والنخبة الحاكمة، ما يعكس انهيار العقد الاجتماعي.

الطوفان الثقافي والانقسام الداخلي

يصف النعمة الصراع بين معسكرين:

  • معسكر الولاء: نخبة المدن الكبرى، ولاؤها للنظام الاقتصادي العالمي وليس للشعب، وتركز على فرض التقشف وإدارة الدولة وفق قواعد المعولمة.

  • معسكر العدالة: سكان فرنسا الهامشية، اليمين واليسار الشعبوي، الذين يشعرون بالخيانة والتهميش، ويعبرون عن غضبهم من خلال احتجاجات غير مركزية، مطالبين بإعادة توازن السلطة الاقتصادية والاجتماعية.

ويشير النعمة إلى أن هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي، بل حرب ثقافية باردة تعرقل الدولة وتضع فرنسا على شفير الانهيار.

التداعيات الدولية

يرى عبد الله النعمة أن ضعف فرنسا الداخلي له انعكاسات جيوسياسية كبيرة:

  • فرنسا، كأحد أعمدة النظام الليبرالي الغربي، أصبحت نقطة ضعف استراتيجية.

  • محاور روسيا-الصين والجنوب العالمي قد تستفيد من هذا الفراغ، مستغلة انسحاب النفوذ الفرنسي من أفريقيا وتراجع الدور الأوروبي، ما قد يعيد رسم موازين القوى في أوروبا وشمال إفريقيا.

السيناريوهات المستقبلية بحسب النعمة

يقترح النعمة عدة مسارات محتملة للأزمة الفرنسية:

  1. التمزق البطيء: تضعف الدولة المركزية وتتحول فرنسا إلى أرخبيل من “العصبيات” المتنافسة.

  2. الانفجار الشعبوي: صعود حكومة قومية تواجه الاتحاد الأوروبي داخلياً وخارجياً.

  3. النموذج السلطوي: استخدام الأزمة الاقتصادية أو الاحتجاجات لفرض حل تقني سلطوي وتعليق بعض الأعراف الديمقراطية.

  4. النموذج التوافقي: تحالف أحزاب معتدلة لتمرير إصلاحات اقتصادية مع الحفاظ على مكتسبات اجتماعية، لكنه هش أمام الضغوط الشعبية والأوروبية.

أسئلة تحرّية للمواطن والقارئ

  • هل ستنجح نخبة الولاء في فرض الحلول التكنوقراطية قبل أن يتفاقم الطوفان الثقافي؟

  • كيف ستؤثر هذه الأزمة على الاتحاد الأوروبي ومستقبل اليورو؟

  • هل ستتمكن فرنسا من استعادة توازنها الداخلي قبل أن يتحول الصراع إلى انهيار كامل؟

  • من سيستفيد من هذا الفراغ الدولي؟ وما تداعياته على صعود محاور دولية جديدة؟

الخلاصة

يخلص عبد الله النعمة إلى أن فرنسا اليوم ليست أمام أزمة اقتصادية أو سياسية عابرة، بل صراع وجودي حول الهوية والسيادة. والنتائج لن تحدد مستقبل فرنسا فحسب، بل ستحدد ملامح النظام الأوروبي الجديد، وتكون مؤشراً حاسماً على موازين القوى في النظام العالمي المتغير.

مع تسارع الأحداث في سبتمبر 2025، يرى النعمة أن الهاوية أقرب من أي وقت مضى.