جيل زد المغربي.. قوة اجتماعية صاعدة تتجاوز المقاربة الأمنية

0
401

لم يعد الحديث عن “جيل زد” في المغرب ترفًا فكريًا أو مجرد توصيف ديموغرافي، بل تحوّل إلى سؤال سياسي واجتماعي يفرض نفسه بقوة. فالشباب المولود بين 1996 و2010، بحسب السوسيولوجية المغربية سميرة مزبار، يشكل اليوم كتلة حيوية لا يمكن التعامل معها بمنطق الأدوات القديمة، سواء كانت إعلامية أو أمنية.

هذا الجيل نشأ في فضاء الإنترنت والعولمة، حيث لم يعد الخطاب الرسمي أو الإعلام التقليدي قادراً على تشكيل وعيه. هو جيل رقمي بامتياز، يتحرك عبر شبكات تواصل شخصية وفعّالة، ويعيد إنتاج معاني الانتماء والتعبير بعيدًا عن الوسائط الكلاسيكية. لذلك، فإن أي محاولة للتأثير عليه عبر قنوات “التحكم” الإعلامي تبدو محكومة بالفشل.

أكثر من ذلك، يضع هذا الجيل رفاهيته الفردية وانسجامه مع محيطه في صدارة اهتماماته، في قطيعة واضحة مع ثقافة التنظيمات الهرمية الصارمة التي ميّزت أجيالاً سابقة. وهنا تكمن إحدى مفاتيح التحول: فجيل زد لا يعترف بشرعية الأطر التي لا تمنحه مساحة للحرية والتعبير، بل يبحث عن فضاءات مفتوحة ومرنة، تعكس تنوعه وتعدد هوياته.

لكن المثير في قراءة مزبار هو تحذيرها من أن المقاربة الأمنية – عبر القمع والاعتقالات كما حدث مع توقيف مغني الراب “رايد” – لا تزيد هؤلاء الشباب إلا إصراراً. فبالنسبة لهم، الخطأ ليس خطيئة، بل تجربة بنّاءة تعزز حضورهم وتدفعهم إلى المضي قُدمًا في الاحتجاج والتعبير.

من زاوية أخرى، يلاحظ أن أبناء هذا الجيل غير مندمجين بشكل واسع في الأحزاب أو النقابات، بل ينظرون إلى التاريخ السياسي للبلاد باعتباره “ماضياً بعيداً” لا يعنيهم. ما يعني أن رهان السلطات أو الفاعلين التقليديين على إدماجهم في تلك الهياكل قد لا يجدي، لأن جيل زد يتطلع إلى المستقبل بأدواته الخاصة، ولا ينخدع بخطابات التخويف.

ومع اقتراب موعد 2030، سيكون هذا الجيل في قلب الأحداث، إذ سيتراوح عمره حينها بين 20 و34 عاماً، أي في ذروة العطاء والحضور الاجتماعي. ما يطرح سؤالاً استراتيجياً: هل تستعد الدولة ومؤسساتها للتعامل مع جيل يفرض منطقه الخاص، أم أنها ستواصل اختبار سياسات أثبتت محدوديتها؟

رسالة مزبار واضحة: التغيير لم يعد احتمالاً مؤجلاً، بل واقعاً يتشكل أمام أعيننا. والمقاربة الأمنية وحدها لن تصنع الاستقرار، بل قد تكون وصفة لتأجيج الغضب. المطلوب إذن إعادة التفكير في العلاقة مع الشباب، ليس باعتبارهم تهديداً يجب احتواؤه، بل قوة اجتماعية صاعدة قادرة على تجديد الدماء في المشهد الوطني.