تغريدة قصيرة نشرها الأستاذ رشيد كنجاع حول جيل Z كانت كفيلة بأن تتحول إلى ما يشبه الرسالة المفتوحة، ليس فقط إلى القراء، بل إلى الدولة وصنّاع القرار.
خلف كلمات شخصية عن تجربة أب مع ابنيه، يختفي خطاب أعمق يكشف تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية لم يعد من الممكن تجاهلها.
اعتراف جيل الآباء بخطئه
الكاتب ينطلق من اعتراف صريح: لقد أساء الحكم على أبنائه وجيلهم. كان يرى في انعزالهم داخل غرفهم، التصاقهم بالهواتف، وغرقهم في ثقافات كورية ويابانية، نوعاً من الفراغ والانفصال عن الواقع. لكن الاحتجاجات الأخيرة قلبت المعادلة: جيل يخرج للشارع، يعبّر فنياً وفكرياً، ويتشبّع بوطنيته على نحو لا يقبل المزايدة.
هنا يطرح السؤال الأول: هل ما يراه الآباء “هروباً” ليس سوى طريقة أخرى للانخراط في العالم، مختلفة تماماً عن أدواتهم القديمة؟
ثقافة بديلة وهوية جديدة
جيل Z لا يقرأ الكتب بالمعنى التقليدي، ولا ينخرط بالضرورة في الجمعيات كما فعلت أجيال سابقة. لكنه يعيش في فضاءات أخرى: “اليوتوب”، “الثقافات الآسيوية”، الموسيقى العالمية، ورموز الموضة الرقمية. هل يعني ذلك أنه بلا هوية؟ أم أن الهوية المغربية تتجدد اليوم عبر هذه القنوات غير المألوفة؟
المسكوت عنه هنا: إلى أي حد استوعبت المدرسة والإعلام والأحزاب السياسية هذه التحولات؟ أم أنها ما زالت سجينة أدوات تعود إلى القرن الماضي؟
الاحتجاج كلغة جديدة
حين يخرج هذا الجيل للاحتجاج، فإن الرسالة ليست مجرد رفض ظرفي أو نزوة عابرة. بل إعلان صريح عن ميلاد وعي مختلف، جيل “لا يخاف من السلطة، بما فيها سلطة الأب” كما كتب كنجاع.
وهنا سؤال آخر يفرض نفسه: إذا كان هذا الجيل يملك وعيه ورفضه الخاص، فهل ستتعامل معه الدولة باعتباره شريكاً في صياغة المستقبل، أم خصماً يجب تطويعه؟
الوطنية بين الادعاء والواقع
المفارقة التي يسلط الضوء عليها الكاتب تكمن في أن هذا الجيل، رغم اتهامه بالاغتراب أو الانفصال، هو أكثر الأجيال إصراراً على وطنيته. وطنية لا تتجلى في الشعارات القديمة، بل في أشكال جديدة من التعبير والرفض والبحث عن الكرامة.
السؤال الحارق هنا: إذا كان الشباب مفعماً بالوطنية، فلماذا يواجه دائماً بقدر أكبر من الريبة والرقابة؟
جيل يتجاوزنا
في النهاية، يخلص كنجاع إلى أن هذا الجيل “يتجاوزنا”. جملة تبدو عابرة، لكنها تحمل معنى صادماً: إذا لم تتمكن النخب والدولة من فهمه واستيعابه، فإنها ستجد نفسها خارج اللعبة. فهل نحن أمام فرصة لصناعة شراكة تاريخية بين الدولة وجيل Z، أم أننا بصدد تضييع لحظة قد تعيد إنتاج فجوة جديدة بين الشباب ومؤسسات البلاد؟
🔎 المقال إذن ليس مجرد قراءة في تدوينة شخصية، بل محاولة لالتقاط إشارات ورسائل مبطنة: أن جيل Z ليس خطراً، بل مستقبل المغرب، شريطة أن يُفهم لا أن يُحاصر.