بعد أربعة أيام من التظاهرات… ماذا يريد بلاغ وزارة الداخلية أن يقول للمغاربة؟

0
137
صورة: و.م.ع

في خضم موجة احتجاجات غير مسبوقة اجتاحت عدة مدن مغربية خلال الأيام الأخيرة، خرج الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، رشيد الخلفي، ليوضح أسباب منع التظاهرات الأخيرة.

بلاغه، الذي حاول رسم صورة “متوازنة” بين حرية التظاهر والحفاظ على الأمن العام، يفتح الباب أمام قراءة أعمق حول الرسائل الضمنية التي تحاول الداخلية إيصالها إلى الرأي العام.

حق التظاهر مقابل الأمن والاستقرار

أكد الخلفي أن منع المظاهرات كان نتيجة “عدم احترام المقتضيات القانونية المعمول بها”، وأن هذه التحركات كانت “غير مؤطرة ومجهولة المصدر”. من الناحية القانونية، يبرز بلاغ الداخلية محاولة رسم توازن بين حق المواطنين في التظاهر السلمي (الفصل 29 من الدستور) وحق المجتمع في الأمن والاستقرار (الفصل 21 من الدستور).

سؤال يطرح نفسه: هل يمكن فعليًا تحقيق هذا التوازن في ظل موجة غضب شعبي متسارعة، أم أن المقاربة الأمنية وحدها قد تُفسر على أنها تحجيم للحريات السياسية؟

التدخلات الأمنية: قانونية أم رسالة تحذيرية؟

أكد الخلفي أن تدخلات القوات العمومية تمت “في إطار احترام تام للضوابط القانونية والمهنية”، مشيرًا إلى أن كل إجراء كان محكومًا بالدستور والقوانين المنظمة للتجمعات العمومية وحفظ النظام. كما شدد البلاغ على “التدرج والاعتدال” في استخدام القوة، وأن اللجوء للتدخل كان الخيار الأخير بعد استنفاد كل الوسائل السلمية.

لكن قراءة هذا التوضيح تكشف بعدًا آخر: الرسالة المضمرة للشعب هي أن الدولة لن تتسامح مع أي تحرك “غير منضبط”، وأن الاحتجاجات يجب أن تكون مقننة ومضبوطة ضمن إطار رسمي.

سؤال يطرح نفسه: إلى أي حد يشعر جيل Z، الذي يطالب بحقوقه ويرفض الوساطة التقليدية، بالاعتراف لرسالة من هذا النوع؟ وهل يمكن للسلطة أن توازن بين ضبط النظام وإفساح المجال للتعبير السلمي بحرية حقيقية؟

الحصيلة والأرقام: بين الطمأنة والتحذير

أوضح الناطق باسم الداخلية أن أغلبية التوقيفات كانت للتحقق من الهوية، وأن حالات الحراسة النظرية شملت فقط من ثبت تورطهم في أعمال “جرمية” مثل إضرام النار ورشق القوات بالأحجار أو تخريب الممتلكات. وأكد البلاغ على شفافية العمليات، وإتاحة المجال للإعلام لمواكبة التظاهرات ونقلها بحرية.

سؤال للنقاش الوطني: هل هذه الشفافية في الواقع تكفي لتطمين الرأي العام، أم أنها رسالة تهدف أساسًا لاحتواء الشارع السياسي والاجتماعي قبل أي استجابة سياسية؟

الرقم الكبير: 600 احتجاج شهريًا

لفت الخلفي إلى أن المغرب يشهد أكثر من 600 تحرك احتجاجي شهريًا في ظروف عادية، في محاولة لإظهار أن حرية التعبير والتظاهر السلمي موجودة ضمن الإطار القانوني. لكن هذه المقارنة تطرح تساؤلات: هل يمكن مقاربة حراك جيل Z الحالي بنفس المنطق؟ أم أن الطبيعة الجديدة للاحتجاج، وامتداده الرقمي والاجتماعي، تتطلب مقاربة أكثر انفتاحًا على الحوار السياسي؟

الخلاصة: بين القانون والحاجة للحوار

بلاغ وزارة الداخلية يحمل عدة رسائل واضحة:

  • التشديد على الامتثال للقانون كمفتاح للحق في التظاهر.

  • تأكيد التدخل المعتدل والمنضبط للقوات العمومية.

  • إبراز حرص الدولة على حماية الأمن والنظام العام مع الالتزام بالشفافية الإعلامية.

لكن الرسالة الضمنية تصل أيضًا: الدولة تحذر، وتعيد التذكير بأن الشارع يجب أن يلتزم بالضوابط، وأن أي انحراف عن السلمية سيواجه بـ”الحزم القانوني”.

الأسئلة الكبرى:

  1. هل يمكن للسلطة أن توازن فعليًا بين ضبط النظام والسماح بالتعبير الحر لجيل جديد يرفض الوسطاء التقليديين؟

  2. هل الرسائل القانونية والأمنية تكفي لمعالجة أزمة ثقة عميقة بين الشباب والدولة، أم أن الحوار السياسي هو السبيل الوحيد لتجنب تصعيد أكبر؟

  3. كيف يمكن للداخلية أن تتحرك بطريقة أكثر فعالية لتجنب انزلاق بعض المحتجين نحو العنف، دون المساس بحق التظاهر السلمي؟

إن قراءة بلاغ الداخلية بهذه الطريقة تكشف أنه أكثر من مجرد بيان رسمي؛ إنه مرآة لفهم مقاربة الدولة للتظاهرات وكيفية محاولتها إعادة ضبط الحراك في ظل تغيّر قواعد اللعبة الاجتماعية والسياسية.