لم يعد ما يجري في بعض مناطق المغرب مجرد احتجاجات متفرقة أو انفلاتات شبابية غاضبة. أحداث القليعة الأخيرة، التي انتهت بمقتل شخصين برصاص الدرك الملكي بعد محاولتهم اقتحام مركز أمني للاستيلاء على أسلحة وظيفية، تمثل منعطفاً بالغ الخطورة، يكشف أن المشهد خرج عن نطاق السيطرة، وأننا أمام مستوى جديد من التصعيد قد تكون له تداعيات أخطر على الأمن الجماعي والانسجام الوطني.
من الحجارة إلى السلاح: خط أحمر يُكسر
تفيد المعطيات الرسمية أن مجموعات من الأشخاص، ضمنهم قاصرون، هاجموا مركز الدرك الملكي بالحجارة في البداية، قبل أن يعاودوا الهجوم بشكل أكثر تنظيماً وعدوانية، مدججين بأسلحة بيضاء. الأخطر من ذلك أنهم تمكنوا من الاستيلاء على سيارة وأربع دراجات نارية تابعة للمركز، وأضرموا النار في جزء من البناية، في محاولة واضحة للاستيلاء على الذخيرة والأسلحة.
وأمام هذا الوضع الخطير، اضطرت عناصر الدرك الملكي إلى استعمال السلاح الوظيفي في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، ما أسفر عن مصرع شخصين متأثرين بإصابتهما بالرصاص، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة أثناء مشاركتهم في هذا الهجوم.
هنا يكمن المنعرج: لم نعد أمام احتجاج اجتماعي أو حتى أعمال شغب محدودة، بل أمام محاولة مسّ مباشرة بأحد أخطر رموز الدولة، وهو السلاح الوظيفي، بما يحمله من دلالات أمنية وسيادية.
هل نحن أمام انزلاق أمني؟
السؤال المطروح اليوم: كيف وصل شباب وقاصرون إلى هذا الحد من العنف؟ هل هي ردة فعل عفوية على انسداد الأفق، أم أن هناك من يقف وراء تعبئتهم وتوجيههم لجرّ البلاد نحو الفوضى؟ وماذا يعني أن يتحول مركز أمني إلى هدف مباشر لهجوم جماعي منظّم نسبياً؟
هذه الحادثة تفرض علينا إعادة التفكير في مقاربتين أساسيتين:
-
المقاربة الأمنية: هل أصبحت الأدوات التقليدية (المسيلة للدموع، التفريق بالقوة) عاجزة أمام هذا المستوى الجديد من التهديد؟ وما حدود الشرعية في استعمال الرصاص الحي لحماية المراكز الأمنية؟
-
المقاربة الاجتماعية والسياسية: ماذا يعني أن يُستدرج قاصرون وأطفال للمشاركة في محاولات اقتحام بغرض الحصول على السلاح؟ أليس هذا دليلاً على فراغ كبير في منظومة التربية، وغياب البدائل، وانسداد قنوات الحوار؟
ناقوس الخطر: من يوقف الانحدار؟
الأخطر أن الحادثة قد تشكل “نموذجاً ملهماً” لمجموعات أخرى، إذا لم يتم التعامل معها بحزم ووضوح من جهة، وبذكاء سياسي واجتماعي من جهة أخرى. فالمسألة لم تعد مجرد احتجاج على غلاء الأسعار أو مطالبة بفرص الشغل، بل تجاوزت ذلك إلى محاولة المسّ بجوهر الدولة.
هل نحن أمام بداية “لبننة” أو “سورنة” ببطء، حيث تتحول مؤسسات الدولة إلى أهداف مباشرة؟ أم أن ما جرى حادثة معزولة ينبغي التعامل معها كجريمة جنائية لا غير؟
المسؤولية المشتركة
لا يمكن اختزال ما وقع في القليعة فقط في بعده الأمني. ثمة مؤشرات اجتماعية واقتصادية وسياسية تتقاطع جميعها:
-
غياب الثقة بين الشباب والمؤسسات.
-
هشاشة الوضع الاقتصادي للأسر.
-
تصاعد موجة التحريض الرقمي التي تزرع ثقافة المواجهة.
-
ضعف القنوات الوسيطة (أحزاب، نقابات، جمعيات) القادرة على امتصاص الغضب وتوجيهه.