البرلمان المغربي بين الوساطة والتساؤلات: هل تكفي النوايا الجيدة لمعالجة احتجاجات جيل زد؟

0
102

أكد مصدر رفيع داخل مجلس النواب، أمس الخميس، لموقع “هيسبريس”، أن الغرفة الأولى مستعدة للاضطلاع بدور الوساطة بين المحتجين الشباب والحكومة، بهدف إيجاد مخرج جماعي يضمن الاستجابة للمطالب المطروحة على الساحة الوطنية. لكن، قراءة هذا التصريح من زاوية تحليلية تطرح عدة أسئلة مهمة: هل الغاية فعلاً حلحلة الوضع، أم مجرد كسب للوقت؟ وما حدود قدرة البرلمان على التأثير في مسار احتجاجات نشأت خارج الأطر التقليدية؟

مطالب مشروعة… ووسائل واضحة للتفاعل

يدعو المصدر قيادات حركة “جيل زد 212” إلى تحديد مخاطبين رسميين قادرين على التفاوض، مؤكداً على ضرورة الانخراط في منطق الحوار وتفادي الانزلاق نحو المجهول. وهذه النقطة تكشف عن إشكالية أساسية: كيف يمكن لمجموعة شبابية متفتحة على وسائل التواصل الرقمي والاحتجاجات الموزعة أن تعتمد آليات تفاوض تقليدية؟ وهل يستطيع البرلمان فرض هذا المنطق دون دعم شعبي كامل؟

في الوقت نفسه، يعترف المصدر بأن مطالب الشباب “مشروعة في عمومها”، وتشمل قضايا اجتماعية واقتصادية مثل العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، وتحسين الصحة والتعليم. هذا الاعتراف، رغم أهميته، يفتح الباب أمام سؤال جوهري: إذا كانت المطالب نفسها تُطرح داخل قبة البرلمان من قبل نواب الأمة، فلماذا لم تُحقق بعد؟ وهل مجرد الحوار بين البرلمان والشباب سيغيّر الواقع أم سيؤجل المواجهة الحقيقية مع أزمات النظام الاجتماعي والاقتصادي؟

البرلمان كوسيط… وهل يكفي؟

يشدد المصدر على أن البرلمان، باعتباره مؤسسة دستورية تمثل جميع المغاربة، يضع نفسه رهن إشارة أي مبادرة لرأب الصدع، ضمن ما يكفله الدستور من حقوق وآليات للوساطة. لكن قراءة متأنية تكشف أن الكلام هنا يحمل أكثر من غاية: فهو يطمئن الرأي العام، ويرسل رسالة إلى الحكومة بأن البرلمان متابع ومستعد للتحرك، لكنه في الوقت ذاته يحافظ على موقعه كوسيط، بعيد عن التحمل المباشر لمسؤولية أي تصعيد. فهل هذا الوسيط التقليدي قادر على التعامل مع احتجاجات “الجيل الرقمي” التي تتسم باللاهيكلية والتقلب السريع؟

الضمانات القانونية والتساؤل عن الجهات المهيمنة

حول مسألة مساءلة القائمين على الاحتجاجات، يذكر المصدر أن “الكثير من الضمانات ستسبق هذا الأمر”، مؤكداً على مراقبة مصدر الاحتجاج: داخلي أم خارجي. هذا التحديد يعكس قلقاً من أن تكون الاحتجاجات وسيلة للتأثير الخارجي، لكنه يطرح أيضاً تساؤلات أخلاقية وسياسية: كيف يمكن التمييز بين المطالب الاجتماعية المشروعة وأي تدخلات محتملة من الخارج، دون المساس بحقوق الشباب في التعبير؟

التاريخ يعيد نفسه… هل تكفي القنوات التقليدية؟

يشير المصدر إلى تجربة حركة 20 فبراير، حيث كان لدى الدولة مخاطبون رسميون. لكن الوضع اليوم مختلف: الاحتجاجات أصبحت رقمية، شبابية، وأقل خضوعاً للأطر التقليدية. هنا يبرز تحدٍّ جديد: كيف يمكن للمؤسسات التقليدية، بما فيها البرلمان، أن تتفاعل بفاعلية مع احتجاجات مرنة وسريعة التغير؟ وهل سيقود الحوار إلى نتائج ملموسة، أم سيبقى مجرد “مسار رمزي” لتهدئة الشارع؟

الخلاصة التحليلية

البرلمان يبدو مستعداً للوساطة، والشباب مطالب بتقديم قنوات تفاوض واضحة، والمطالب الاجتماعية والاقتصادية مشروعة ومعروفة. لكن ما يثير القلق هو الفجوة بين النوايا والإمكانات، وبين الشكل التقليدي للوساطة وطبيعة احتجاجات الجيل الرقمي. السؤال الكبير يبقى: هل هذه الخطوة تؤسس لحوار حقيقي من شأنه حل الأزمة، أم أنها مجرد وسيلة لكسب الوقت وتأجيل مواجهة أعمق مع الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية؟