حين تسقط الحكومة قبل أن تبدأ: استقالة لوكورنو تفضح عمق العطب السياسي في فرنسا ماكرون

0
116
صورة: أ.ف.ب

لم يمضِ سوى يوم واحد على إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة في فرنسا، حتى جاءت استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو لتكشف هشاشة غير مسبوقة في النظام السياسي الفرنسي خلال عهد إيمانويل ماكرون. حدث يبدو في ظاهره استقالة عادية، لكنه في عمقه يطرح أسئلة جوهرية حول قدرة الجمهورية الخامسة على الصمود أمام موجات الانقسام الداخلي، والتآكل الاقتصادي، وتآكل الثقة الشعبية في المؤسسات.

القراءة السياسية: حين يعجز ماكرون عن تثبيت حكوماته

تتوالى الأزمات في قصر الإليزيه منذ انتخابات العام الماضي التي أفرزت برلمانًا مشرذمًا بين ثلاث كتل متخاصمة. ماكرون، الذي أراد عبر الانتخابات المبكرة إعادة ضبط المشهد السياسي لصالحه، وجد نفسه أمام برلمان مشتّت يعطل كل مبادرة حكومية.

استقالة لوكورنو، الذي لم يُتح له حتى فرصة عرض بيانه السياسي، ليست مجرد خطوة مفاجئة، بل هي إشارة إلى عجز الرئيس الفرنسي عن إيجاد توازن مستقر بين طموحه المركزي ورغبة القوى السياسية في الاستقلال عنه.

سؤال مفتوح: هل دخلت فرنسا مرحلة ما بعد “ماكرونية” قبل نهاية ولايته؟

الزاوية الاقتصادية: ديون متفاقمة وحكومة عاجزة

في خلفية المشهد السياسي المضطرب، تقف أزمة اقتصادية خانقة. الديْن العام الفرنسي بلغ مستويات غير مسبوقة، محتلاً المرتبة الثالثة أوروبيًا بعد اليونان وإيطاليا، ما يضع باريس في مواجهة مباشرة مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تفرض سقفًا صارمًا على الإنفاق.

تعيين رولان لوسكور وزيرًا للاقتصاد لم يكن سوى محاولة لتجميل وضع متأزم، إذ كان يُفترض به إعداد مشروع ميزانية “إنقاذ”، غير أن انهيار الحكومة قبل أن تبدأ عملها جعل من تلك المهمة مستحيلة.

سؤال آخر: هل أصبحت الأزمة الاقتصادية وقودًا يُسقط الحكومات قبل أن تولد؟

الزاوية الرمزية: حكومة متهمة قبل أن تحكم

المفارقة أن بعض الوزراء العائدين إلى الحكومة، مثل رشيدة داتي المتهمة بالفساد، يعكس تناقضًا صارخًا بين خطاب ماكرون عن “الأخلاق العامة” وواقع التعيينات التي يطبعها منطق التسويات الحزبية.

عودة برونو لومير، وزير الاقتصاد السابق، كوزير للجيوش توحي بأن الرئيس الفرنسي بات يبحث عن وجوه مأمونة الولاء أكثر من كفاءات جديدة.

تساؤل مركزي: هل باتت فرنسا تُدار بمنطق “تدوير الأسماء” بدل تجديد النخب؟

البعد المؤسساتي: تآكل الثقة في الجمهورية الخامسة

هذه الاستقالة المتسارعة تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول بنية النظام السياسي الفرنسي نفسه.

النظام شبه الرئاسي الذي كان يُعتبر مصدر استقرار، أصبح اليوم مصدر أزمة دائمة. رئيس قوي بسلطات واسعة، وبرلمان عاجز عن إنتاج أغلبية، وحكومات قصيرة العمر… كلها مؤشرات على خلل بنيوي يتجاوز الأشخاص إلى طبيعة النظام ذاته.

سؤال جوهري: هل تحتاج فرنسا إلى إصلاح دستوري يعيد التوازن بين الرئاسة والبرلمان؟

خاتمة تحليلية:

استقالة لوكورنو ليست نهاية حكومة، بل مرآة لأزمة أعمق تهز صورة فرنسا كقوة ديمقراطية مستقرة. إنها لحظة تُجبر المراقبين على التفكير في مستقبل النظام الفرنسي نفسه، في زمن تهاوت فيه الثقة، وتبددت فيه السلطة بين قصر الإليزيه وبرلمان بلا أغلبية وشعب غاضب من ارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات.

بين حكومة لم تبدأ، ورئيس يبحث عن مخرج، تظل فرنسا في اختبار وجودي: كيف يمكنها استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهي غارقة في دوامة الانقسامات؟