“جيل Z يربك البام: عندما تفشل الأحزاب في مخاطبة المستقبل”

0
149

تعيش أروقة حزب الأصالة والمعاصرة على وقع توتر داخلي غير مسبوق، بعد أن انفجرت أزمة صامتة بين قيادة الحزب وشبيبته، إثر تبرّؤ قياديين من توجيهات وُصفت بأنها “مباشرة” إلى شباب الحزب، للمشاركة في نقاشات عبر منصة “ديسكورد” مع مجموعة GenZ 212، التي تقود تفاعلات احتجاجية شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتطالب بإصلاحات اجتماعية واقتصادية عميقة في المغرب.

ما بدا في البداية محاولة من الحزب لـ”الاقتراب من الجيل الجديد”، تحوّل سريعًا إلى فخ سياسي كشف هشاشة العلاقة بين القيادة وشبابها، وأظهر حدود قدرة الأحزاب التقليدية على فهم دينامية الشباب الرقمي الذي صار أكثر تأثيرًا من المنابر الكلاسيكية.

من التوجيه إلى التبرؤ… لحظة الانفجار

تقول مصادر من داخل الحزب، تحدثت لموقع “الصحيفة“، إنّ القصة بدأت عندما تلقّى بعض أعضاء الشبيبة “تعليمات واضحة من قيادات بارزة للانضمام إلى نقاشات مجموعة GenZ 212 على تطبيق ديسكورد”، بهدف — كما جاء في الخطاب الداخلي — “فتح قنوات تواصل مع شباب الحركة، والاستماع إلى مطالبهم، وتوجيه الحوار نحو المشاركة السياسية بدل الاحتجاج في الشارع”.

غير أن هذه المبادرة سرعان ما انقلبت على أصحابها. فبعد ساعات من انخراط شباب الحزب في النقاشات، ظهرت تسريبات وتغريدات تشير إلى أن “قيادات في البام تنفي علمها أو مسؤوليتها عن الخطوة”، معتبرة أنها “اجتهاد شخصي من بعض أعضاء الشبيبة”.

يؤكد أحد شباب الحزب، رفض الكشف عن اسمه:

“شعرنا وكأننا ضُحّينا بنا. أُعطيت لنا تعليمات محددة من أسماء معروفة في المكتب السياسي، لكن بمجرد أن تحرك النقاش على المنصة، تبرأوا منا وكأننا ارتكبنا خطأ سياسياً فادحاً”.

ويضيف غاضباً:

“ما حدث ليس سوء فهم، بل خيانة للثقة داخل الحزب. الشبيبة كانت تتوقع دعماً سياسياً، لا التخلّي عنها في منتصف الطريق”.

القيادة في مأزق… “مغامرة غير محسوبة”

من جهته، يرى مصدر مقرب من القيادة أن ما حدث هو نتيجة “سوء تقدير” من طرف بعض العناصر الشابة التي لم تُحسن التعامل مع الحساسية السياسية للموضوع.

“كان الهدف واضحاً: فتح نقاش إيجابي مع الشباب في فضاء رقمي متنامٍ، لكن بعض الأعضاء تجاوزوا الخطوط في نقاشات مثيرة للجدل، وهو ما خلق ارتباكاً وخوفاً من أن يُحسب ذلك على الحزب رسمياً”، يقول المصدر.

ويضيف موضحاً:

“الأجواء الحالية دقيقة، والبلاد تمرّ بمرحلة احتجاجية تتطلب مسؤولية سياسية كبيرة. لا يمكن لأي حزب أن يُغامر بجرّ اسمه إلى حوارات عفوية قد تُستغل إعلامياً أو تُفسَّر خطأً من قبل الرأي العام”.

بهذه الرواية، تحاول القيادة امتصاص الغضب وتبرير التراجع. لكن خلف هذا التبرير تكمن حسابات انتخابية صرفة. فالحزب الذي يُفترض أنه جزء من الأغلبية الحكومية يعيش منذ شهور على وقع انتقادات داخلية متزايدة، وصلت حتى إلى وزراء بارزين كفاطمة الزهراء المنصوري ونجوى كوكوس، اللتين وجّهتا انتقادات علنية للأداء الحكومي الذي يشارك فيه الحزب نفسه.

جيل “ديسكورد” يربك الأحزاب

اللافت في كل هذا، أن المنصة التي انطلقت منها شرارة الأزمة — “ديسكورد” — ليست ساحة نقاش تقليدية. إنها مساحة رقمية مغلقة، يتواصل فيها شباب “جيل زد” بلغة مختلفة، وأسلوب تنظيمي أفقي لا ينسجم مع الهرمية الحزبية الكلاسيكية.
يشرح باحث في الإعلام الرقمي، طلب عدم ذكر اسمه:

“من يدخل إلى هذه المجموعات عليه أن ينسى المنطق السياسي القديم. لا توجد قيادات أو بيانات أو شعارات؛ هناك نقاش أفقي سريع يتغيّر كل دقيقة. أي حزب يدخل بعقلية الهرم والبلاغ سيُرفض فوراً”.

وهنا يطرح السؤال الكبير: هل كان حزب الأصالة والمعاصرة مستعداً فعلاً لفهم هذا الجيل قبل أن يخاطبه؟ يبدو أن الجواب لا. فالمبادرة كشفت أن الحزب أراد أن “يراقب” النقاش أكثر مما أراد أن “يفهمه”. وما إن بدأت الأسئلة تتخذ طابعاً حاداً حول الفساد، العدالة الاجتماعية، وسلوك الطبقة السياسية، حتى فضّلت القيادة الانسحاب بدلاً من الحوار.

شبيبة حزبية في مأزق وجودي

تعيش شبيبات الأحزاب المغربية منذ سنوات أزمة هوية بين الولاء الحزبي والرغبة في التعبير الحر. ومع تصاعد الحركات الرقمية الجديدة، تتعرض هذه الشبيبات لضغط مزدوج: فهي من جهة مطالبة بأن تظلّ “منضبطة” لتوجيهات القيادة، ومن جهة أخرى مطالبة بالتفاعل مع جيل جديد لا يعترف بالتراتبية ولا يخاف من المواجهة.

يقول أحد أعضاء الشبيبة في رسالة داخلية تسرّبت لاحقاً:

“لسنا جنوداً رقميين في معركة انتخابية، نحن شباب نحاول أن نفهم جيلاً آخر من داخل تجربته. وإذا كانت القيادة تخاف من الحوار، فالمشكلة في شجاعتها، لا فينا”.

هذه الجملة وحدها تختصر الأزمة: الهوة بين جيلين سياسيين. الأول وُلد في قاعات الاجتماعات والمكاتب المكيفة، والثاني نشأ في غرف الدردشة ومنصات الألعاب الرقمية. الأول يحسب كل خطوة بميزان الولاءات، والثاني يقيسها بمدى صدق الموقف.

ما وراء الحدث: صراع على من يمتلك خطاب الشباب

تبدو قصة “غليان البام” عرضاً لأزمة أكبر في المشهد الحزبي المغربي، حيث تتسابق التنظيمات على امتلاك “خطاب الشباب” دون أن تبني جسوراً حقيقية معه. فكل الأحزاب، من اليمين إلى اليسار، تحاول الآن الظهور بمظهر المتفهم لغضب “جيل زد”، لكنها في الواقع تتعامل معه كـ”ملف انتخابي” أكثر من كونه تحوّلاً مجتمعياً عميقاً.

وفي خلفية هذا المشهد، تطفو أسئلة كثيرة: هل يمكن للأحزاب التقليدية أن تعيد بناء الثقة مع الشباب دون مراجعة خطابها وسلوكها؟ هل يستطيع السياسيون المغاربة دخول العالم الرقمي بعقلية جديدة لا تقوم على السيطرة بل على التفاعل الحقيقي؟ وهل ستستمرّ ظاهرة “التبرؤ” كآلية للهروب من المسؤولية كلما انفجر جدل بين القيادة وقاعدتها الشبابية؟

الخلاصة: ما حدث ليس حادثة عابرة

الذي وقع داخل “الأصالة والمعاصرة” ليس سوء تفاهم بين جيلين فحسب، بل مؤشر على أزمة عميقة في طريقة إدارة التواصل السياسي في المغرب. فالشباب الذين يملكون أدوات جديدة للنقاش لم يعودوا ينتظرون إذنًا من أحد، والأحزاب التي لا تتقن لغتهم ستجد نفسها خارج الزمن السياسي الجديد.

لقد كشف “ديسكورد” ما لم تكشفه المؤتمرات الحزبية ولا البلاغات الرسمية: أن جيل “زد” بات قادراً على فرض جدول أعماله على النخب، لا العكس.

هل ستتعلم الأحزاب من هذا الدرس؟ أم ستواصل الاختباء خلف البيانات والتبريرات، في حين يبني الجيل الرقمي مغرباً جديداً بلغته هو؟

الجواب، كما يبدو، سيحدّد مستقبل السياسة المغربية في السنوات القادمة.