حين يربح الطب وتخسر الصحة: ازدهار القطاع الصحي في البورصة المغربية على أنقاض المستشفيات العمومية

0
145

ربحٌ في زمن الأزمة

في وقتٍ تتزايد فيه الاحتجاجات الاجتماعية بسبب تدهور الخدمات الصحية العمومية، تكشف بورصة الدار البيضاء وجهاً آخر للصحة في المغرب: وجهاً مزدهراً ومربحاً، يحقق نسب نمو غير مسبوقة.

فبحسب معطيات مركز أبحاث التجاري غلوبال ريسيرتش (AGR)، تجاوز نمو أرباح القطاع الصحي في السوق المالية المغربية نسبة 74 في المائة خلال النصف الأول من سنة 2025، ليتفوق على قطاع العقار العريق، ويحتل المرتبة الثانية بعد قطاع السيارات الذي ارتفعت أرباحه بـ93 في المائة.

كيف يمكن لقطاعٍ يوصف بأنه “يحتضر عمومياً” أن “ينتعش خصوصياً” بهذا الشكل المذهل؟ وكيف تحوّلت المصحات الخاصة إلى قاطرة ربحية في زمن الأزمة الصحية والاجتماعية؟

بين بورصة الربح وواقع الألم

تقرير AGR يشير إلى أن القطاع البنكي ما يزال المحرّك الأساسي لنمو الأرباح في البورصة (بمساهمة 1,9 مليار درهم، أي ثلثي الأرباح المتكرّرة للشركات المدرجة)، وأن قطاع الإسمنت استعاد موقعه بفضل نشاط البناء.
لكن المفاجأة جاءت من القطاع الصحي الذي صعد بسرعة ليحتل موقعاً لم يكن متوقعاً، رغم أنه لم يدخل البورصة إلا أواخر 2022، عبر مجموعة “أكديطال”، صاحبة سلسلة المصحات الخاصة الأكبر في المغرب.

يقول خبير الأسواق المالية (افتراضي): «ما تحقق في ظرف ثلاث سنوات هو قفزة غير مسبوقة لقطاع حديث الإدراج، يعكس اندماج المال بالصحة، وربما تداخلهما على نحوٍ مقلق».

أكديطال: من عيادات خاصة إلى إمبراطورية مالية

الأرقام التي نشرتها المجموعة ترسم صورة نمو مذهل:

  • رقم معاملات موحّد تجاوز ملياري درهم في النصف الأول من 2025، بزيادة 68% عن العام السابق.

  • أرباح صافية بلغت 214 مليون درهم، بارتفاع 69%.

  • نمو أنشطة الطب المتعدد التخصصات بـ73%، وعلاج الأورام بـ65%.

وفي 2024، سجّلت المجموعة 2,95 مليار درهم من رقم المعاملات، بزيادة 55% مقارنة بـ2023 — أي أن مداخيلها تضاعفت ست مرات خلال خمس سنوات فقط.

وبينما يتراجع أداء المستشفيات العمومية ويغادر الأطباء القطاع العام نحو الخارج، تُعلن “أكديطال” عن خطط طموحة لافتتاح 45 مؤسسة صحية نهاية 2025، و62 بحلول 2027.

الازدهار في زمن التدهور

في الوقت الذي يعيش فيه المواطن المغربي صعوبات متزايدة في الولوج إلى العلاج، وتهتز فيه الثقة في المنظومة العمومية، يبرز القطاع الخاص كمستفيدٍ أول من برامج التغطية والحماية الاجتماعية.

يقول أحد الأطباء في القطاع العام (افتراضي): «أصبح المريض المؤمن عبر “أمو” أو “راميد” السابق يجد نفسه في المصحة الخاصة أكثر من المستشفى العمومي، لأن الدولة صارت تشتري الخدمة بدل أن تُنتجها».

هذا التحوّل يطرح سؤالاً أخلاقياً واقتصادياً في آن: هل يحقّ للمؤسسات الخاصة أن تبني أرباحها على ضعف النظام العمومي؟ وهل تحوّلت إصلاحات الحماية الاجتماعية إلى رافعة لتمويل رأسمال خاص بدل تحسين خدمة عمومية؟

بورصة الصحة: من الطب إلى المضاربة

منذ إدراجها في السوق، ارتفعت قيمة أسهم “أكديطال” ثلاث مرات، وبلغت قيمتها السوقية 1,7 مليار دولار، فيما قُدرت حصة رئيس المجموعة بحوالي 200 مليون دولار. هذا الارتفاع جعلها من أكثر الشركات جذباً لرأس المال في بورصة الدار البيضاء. لكن ماذا يعني هذا للمواطن؟

البورصة تكافئ النمو والأرباح لا جودة الخدمات ولا إنسانية العلاج. ومن هنا يثور السؤال الجوهري: هل نقيس “نجاح قطاع الصحة” بارتفاع الأرباح أم بتحسّن مؤشرات الرعاية؟

خبير اقتصادي (افتراضي): «السوق المالية لا ترى مريضاً يتألم، بل تراقب هامش ربحٍ يتّسع. المشكلة حين تغيب الدولة عن ضبط العلاقة بين الاقتصاد والحق في العلاج».

المفارقة المغربية: قطاع يحتضر وآخر يزدهر

القطاع الصحي العمومي في المغرب يعيش أزمة مزمنة: نقص في الكوادر، تآكل البنيات التحتية، غياب المعدات، وازدحام المستشفيات.

في المقابل، القطاع الخاص يُبنى وفق منطق تجاري بحت: تسعيرات مرتفعة، خدمات فندقية، وآليات تمويل جديدة عبر البورصة.

هكذا تتحول “الصحة” إلى “سوق”، والمريض إلى “زبون”، بينما تغيب السياسة العمومية التي تضمن التوازن بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية.

أسئلة مفتوحة على المستقبل

  1. هل تكفي “أرباح البورصة” لتغطية فجوة الثقة في المنظومة الصحية؟

  2. هل من مبرر أن تتضاعف ثروة مستثمرين في الطب بينما مريض السرطان ينتظر موعداً في مستشفى عمومي بعد أشهر؟

  3. كيف تُراقب الدولة الأسعار والسياسات العلاجية في المصحات الخاصة المدرجة في السوق المالية؟

  4. وهل تتحول “الاستثمارات الصحية” إلى مجال مضاربات مالية أكثر من كونها أداة للعدالة الصحية؟

خاتمة: حين تصبح الأرقام مرآة للأخلاق

ما تكشفه تقارير البورصة ليس فقط أداءً مالياً، بل صورة أخلاقية عن الأولويات. بين قطاع عامٍ يترنح وقطاع خاص يراكم الملايين، يبدو أن سؤال “من يستفيد من إصلاح الصحة” أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

فالصحة ليست سلعة تُقاس بأسعار الأسهم، بل حقٌّ إنساني يقاس بكرامة المريض، وعدالة الولوج، ونبل الرسالة الطبية.

«قد تكون “أكديطال” قصة نجاحٍ في لغة البورصة، لكنها قد تكون في نظر المجتمع مرآة لفشلٍ جماعي في صون جوهر الطب: الإنسان قبل الأرباح.»