“جيل زد في عين البرنامج المسائي: قراءة الغضب والانتظار بعد خطاب الملك”

0
231

مع افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة في أكتوبر 2025، ترقّب جيل الشباب المغربي، المعروف بـ”جيل زد”، خطاب الملك محمد السادس بآمال معلّقة على أن يحمل رسائل موجهة إليهم، بعد أسابيع من النقاشات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتراجع الثقة في المؤسسات.

على وسائل التواصل، امتلأت الصفحات بالهاشتاغات: #جيل_زد_ينتظر، #الملك_يسمعنا، #وقت_التغيير.

لكن بعد انتهاء الخطاب، خيّم صمت طويل. لم تكن خيبة الأمل صاخبة، بل صامتة، تتسلل في شكل تساؤلات: هل سمع الملك فعلاً صوتهم؟ أم أن الرسالة ضاعت بين السطور والرموز؟

جيل جديد… ووعي مختلف

جيل “زد” المغربي ليس مجرد فئة عمرية، بل وعي جماعي جديد تشكّل في ظل أزمات متلاحقة: بطالة، غلاء، فساد، وتفاوت اجتماعي صارخ. إنه الجيل الذي وُلد في عالم مفتوح على الإنترنت، لكنه اصطدم بواقع مغلق بالأبواب البيروقراطية.

خلال الأسابيع التي سبقت الخطاب، نزل آلاف الشباب إلى الشوارع في مدن مختلفة، احتجاجًا على “الظلم الاجتماعي” و”الفساد الذي يأكل البلاد من الداخل”، كما وصف أحدهم في فيديو انتشر على “تيك توك”. هؤلاء لم يطالبوا فقط بإصلاحات اقتصادية، بل بشيء أعمق: الاعتراف بوجودهم كمواطنين كاملي الحقوق.

حين تكلّم الملك… بصوت الرموز

جاء خطاب الملك محمد السادس متوازنًا في لغته، صارمًا في شكله، لكنه – بحسب كثيرين – غامض في مضمونه بالنسبة إلى الشباب الذين انتظروا إشارة مباشرة إليهم.

قال الملك: “إن السنة التي نحن مقبلون عليها هي سنة العمل والتقييم والمحاسبة”. رسالة قوية في ظاهرها، لكنها لم تُترجم – في نظر الجيل الجديد – إلى لغة واضحة عن مصير مطالبهم.

في برامج النقاش التلفزيونية، انقسم المحللون: هل تعمّد الملك الإبقاء على الغموض لإرسال إشارات ضمنية للنخب السياسية؟ أم أنه اكتفى بتذكير الحكومة بواجباتها دون الدخول في التفاصيل الاجتماعية الملتهبة؟

على الشاشة: مواجهة بين جيلين

في إحدى القنوات، دار نقاش حاد بين حورية بامنصور، الناشطة الشابة في حراك “جيل زد 212″، والدكتور مصطفى تاج، أستاذ علم الاجتماع السياسي وعضو حزب الاستقلال.





كان اللقاء بمثابة صدام رمزي بين جيلين: جيل عاش السياسة كمنظومة مؤسسات، وجيل يعيشها اليوم كصوت احتجاجي رقمي لا يعترف بالوسائط.

تقول حورية، بصوت حادّ يشوبه الانفعال:
“الملك لم يذكرنا. لم يتحدث عن حراكنا، عن شباب فقدوا الثقة في الحكومة وفي البرلمان. نحن لا نريد إشارات ولا رموز، نريد قرارات تُعيد لنا الثقة في الوطن”.

في المقابل، ردّ الدكتور تاج بنبرة هادئة:

“الملك لم يتجاهلكم، بل وجّه خطابًا ذكيًا ومركّبًا. الرسائل موجهة إلى الحكومة والبرلمان ليعملوا على تحقيق العدالة الاجتماعية، وهي جوهر مطالبكم. يجب ألا نحكم بسرعة، فالخطاب في المغرب يُقرأ في عمقه لا في ظاهره”.

تقاطعت الكلمات، لكن الفجوة بين الرؤيتين بدت عميقة.

حورية تمثّل جيلًا لا يملك ترف الانتظار، وتاج ينتمي إلى جيل يؤمن ببطء الإصلاح وتدرج التغيير.

بين الرمزية والسياسة الواقعية

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل لا يزال الخطاب الرمزي قادرًا على إقناع الجيل الرقمي؟
جيل “زد” لا يتعامل مع البلاغة السياسية بالطريقة التي اعتادها جيل التسعينات. فهو يريد أن يسمع الأسماء، الأرقام، المواعيد، والخطط التنفيذية.

في زمن تتدفق فيه المعلومات لحظة بلحظة، لم تعد الجملة الملكية “علينا أن نكثف الجهود ونواصل العمل” كافية.

بل يسأل الشاب المغربي اليوم: من سيكثف؟ أين؟ ومتى؟ وما النتيجة؟

هذا التحوّل في الذهنية يجعل العلاقة بين السلطة والجيل الجديد أمام تحدٍ غير مسبوق: هل تستطيع الدولة أن تتحدث بلغة يفهمها هذا الجيل؟ وهل تملك الأحزاب الجرأة لتمثيله بدل الاكتفاء بتفسير خطاب الملك كل عام؟

الفساد في قلب النقاش

وسط النقاشات، بثّت القناة تقريرًا صادماً بالأرقام: 74% من المغاربة يعتقدون أن الفساد متجذر في الدولة. وأن خسائر الاقتصاد الوطني من الفساد تفوق 4 مليارات دولار سنويًا.

الصدمة كانت حين أشار التقرير إلى أن “الحكومة هي من أكثر مؤسسات الدولة فسادًا”، مع ذكر تضارب المصالح الذي يطال رئيسها رجل الأعمال عزيز أخنوش.

كان واضحًا أن هذه المعطيات غذّت غضب الشارع وجعلت الشباب يشعرون أن الأزمة ليست في الخطاب، بل في من يطبّق الخطاب.

تساءلت حورية بحدة:
“كيف نصدق الدعوات إلى العدالة الاجتماعية بينما الوزراء أنفسهم يملكون شركات تتحكم في السوق؟ من سيحاسب من؟”

سؤال لم يُجب عليه أحد في الأستوديو. حتى الدكتور تاج، رغم محاولاته تفسير البنية الدستورية للعلاقة بين الملك والحكومة، بدا مترددًا أمام حجم الفجوة بين الخطاب والممارسة.

السياسة من الداخل أم الثورة من الخارج؟

في ذروة النقاش، قال تاج جملة بدت كأنها موجهة مباشرة إلى الشارع:

“من لا يعجبه حزب، أمامه ثلاثون حزبًا آخر. التغيير لا يأتي من الشارع فقط، بل من داخل المؤسسات.”

لكن ردّ حورية كان أكثر اختصارًا وصدقًا:

“جربناهم كلهم، ولم يتغير شيء.”

تلك الجملة وحدها تختصر أزمة السياسة في المغرب: التمثيل المفقود.

جيل كامل لا يشعر أن أحدًا يتحدث باسمه، لا الأحزاب، ولا النقابات، ولا حتى الجمعيات التي كانت في زمن ما صوت الشارع.

من الرموز إلى الفعل: هل يتغير الخطاب؟

الملك محمد السادس، في معظم خطبه، يوازن بين الواقعية والطابع الرمزي. فهو يدرك حساسية اللحظة، ولا يريد أن يفتح الباب أمام تأويلات قد تضعف تماسك الدولة. لكن التحدي اليوم مختلف.

جيل “زد” لا يقرأ الصحف الرسمية، ولا يتابع نشرات الأخبار، بل يعيش في فضاء رقمي موازٍ يصنع فيه وعيه ويعيد تفسير الواقع وفق معاييره الخاصة. إنه جيل يطالب بوضوح مباشر:

  • من المسؤول؟

  • ما الخطوات؟

  • متى يبدأ التنفيذ؟

في هذا السياق، يمكن القول إن الخطاب الملكي – رغم أهميته – كشف عن فجوة تواصلية أكثر منها سياسية. فاللغة التي اعتُبرت لسنوات وسيلة تهدئة، باتت اليوم تُقرأ كرمز للغموض أو التجاهل.

الإصلاح المؤجل… والجيل الذي لا ينتظر

منذ سنوات، والمغرب يعيش على إيقاع إصلاحات كبرى: في التعليم، في الصحة، في الاستثمار.

لكن هذه الإصلاحات – رغم حسن النية – لم تلمس عمق المعاناة اليومية. أسعار الوقود، ضعف الأجور، انسداد الأفق أمام خريجي الجامعات، كلها ملفات تجعل الشباب يشعر أن “العدالة الاجتماعية” مجرد شعار جميل بلا تطبيق. ومع تزايد وعي الجيل الجديد بآليات السلطة والاقتصاد، بات من الصعب إقناعه بأن “النية الطيبة تكفي”. هو يريد نتائج، لا نوايا.

هل نحن أمام لحظة مفصلية؟

الخطاب الملكي الأخير، وردود الفعل عليه، يكشفان أن المغرب يقف أمام منعطف ثقافي قبل أن يكون سياسيًا.

فالمطلوب اليوم ليس فقط تغيير السياسات، بل تغيير طريقة التواصل بين الدولة والمجتمع.
جيل “زد” يطالب بأن يُخاطَب بلغة الشفافية، أن يُسمع صوته داخل المؤسسات، لا في الشارع فقط.

بينما ترى الدولة أن الحفاظ على التوازن يقتضي التدرج والانضباط. فهل يمكن التوفيق بين منطق الدولة ومنطق الشارع؟ وهل يمكن للملكية أن تكون جسرًا بين جيلين يفكران بلغتين مختلفتين؟

خاتمة مفتوحة:

ما بين خطاب الملك وصرخة الشباب، تقف الحقيقة في منطقة رمادية.
ربما سمع الملك جيل زد فعلاً، لكنه أجاب بلغته الخاصة.
وربما فهم الجيل الرسالة، لكنه لم يعد يؤمن بالرموز.
في النهاية، يبقى السؤال معلقًا:

هل سيستمر جيل زد في الانتظار؟ أم سيبحث عن طريقه خارج أسوار المؤسسات؟ الإجابة، كما يبدو، لن تأتي من خطاب جديد، بل من فعل جديد يترجم الكلمات إلى ثقة، والرموز إلى واقع.