حين تفضح لحظة إعلامية عجز منظومة بأكملها: ماذا نتعلّم من سؤال الصحفية الجزائرية وردّ لافروف حول الصحراء المغربية؟

0
243

في مشهد بدا في ظاهره عابرًا، لكنه في عمقه يكشف الكثير عن توازنات الإعلام والسياسة في منطقتنا، وجدت صحفية جزائرية نفسها أمام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تسأله عن قضية الصحراء المغربية.

لكن ما لم تتوقعه—ولا النظام الذي تقف وراءه—هو أن الجواب سيأتي مناقضًا تمامًا للخطاب الذي تُروّج له الجزائر منذ عقود: لافروف يؤكد استعداد بلاده لدعم مقترح الحكم الذاتي، شريطة أن يتم ذلك عبر اتفاق جميع الأطراف وبإشراف الأمم المتحدة.

هل يمكن اعتبار هذه اللحظة “تفصيلاً بروتوكوليًا” في مؤتمر صحفي؟ أم أنها، في جوهرها، ضربة موجعة لآلة إعلامية وسياسية ظلّت تصنع الوهم وتغذيه بشعارات “تقرير المصير” و”الدعم الشعبي للقضية الصحراوية”؟

المفارقة: حين يسأل الإعلام الجزائري.. ويجيب العالم بمغربية الصحراء

المفارقة مؤلمة للنظام الجزائري قبل غيره. فبينما سعت الصحفية إلى استنطاق موقف روسي يمكن توظيفه لصالح الخطاب الانفصالي، جاء الردّ ليُعيد ترتيب الأوراق: الحكم الذاتي ليس فقط مقترحًا مغربيًا، بل أصبح معترفًا به ضمن منطق “تقرير المصير” نفسه. في لحظة واحدة، انقلب المشهد الإعلامي: من سؤال استفزازي إلى شهادة دبلوماسية لصالح المغرب.

هنا تبرز براعة “القوة الهادئة” المغربية التي لا تحتاج إلى صراخ أو بروباغندا، بل إلى ثقة في عدالة قضيتها وذكاء في استثمار اللحظات المفصلية.

أين الصحافة المغربية من المعركة الرمزية؟

لكن السؤال المؤلم الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: أين كانت الصحافة المغربية في هذا المؤتمر؟

كيف يعقل أن تغيب منابرنا الوطنية، رغم ما يُرصد لها من دعم وموازنات ضخمة، عن حضور تظاهرات كهذه؟

وهل يُعقل أن تكون صحفية جزائرية هي من تُطلق الشرارة التي من المفترض أن تضيئها صحافتنا؟

الجواب لا يرتبط فقط بالإمكانيات، بل بالرؤية. الصحافة المغربية تحتاج إلى أن تؤمن بأنها ليست مجرد ناقل للخبر، بل فاعل في صياغة الرأي الدولي. ما جدوى امتلاك وكالات ووسائل إعلام رسمية إن كانت غائبة عن محافل تُدار فيها معارك الصورة والرمز؟

هنا تبرز مسؤولية الدولة، لا في التمويل فقط، بل في إعادة بناء مفهوم “الإعلام الوطني المعبّأ” — إعلام يُواكب الدبلوماسية الرسمية، لا يتأخر عنها.

الرهان على الدبلوماسية الموازية: حين يصبح الصحافي سفيرًا للوطن

إن ما فعله لافروف —من حيث لا يدري— هو تذكير المغرب بأن معركته ليست فقط في مجلس الأمن أو في الكواليس الدبلوماسية، بل أيضًا في قاعات الصحافة وأسئلتها. الصحافي الوطني، حين يكون مسلّحًا بالمعرفة والجرأة، يمكن أن يغيّر المعادلة أكثر مما تفعل عشرات البلاغات الرسمية.

نحن بحاجة إلى صحافة مغربية تتقن لغات العالم، وتشارك في المؤتمرات الدولية، وتُعبّر عن نبض الدولة العميق بذكاء، لا بردود انفعالية.

صحيفة “المغرب الآن”، “مجلة الدبلوماسية”، وغيرها من المنابر التي تشتغل بلغة مهنية وتصدر بثلاث لغات، تمثّل بذورًا لهذا التحول المنشود. لكن هذه البذور تحتاج إلى تربة مؤسساتية خصبة، وإرادة سياسية تدرك أن الإعلام اليوم لم يعد “تابعًا” للدبلوماسية، بل جزءًا منها.

خاتمة: درس من موسكو إلى الرباط

من موسكو، وصلت رسالة غير مباشرة إلى الرباط: من يملك الصوت يملك التأثير، ومن يغِب عن ساحة الخطاب يخسر معركة الصورة.

الجزائر حاولت أن تستعرض موقفًا فواجهت اعترافًا دوليًا بمقترح مغربي. والمغرب، إن أراد تحويل هذه اللحظة إلى مكسب استراتيجي، فعليه أن يدعم إعلامه الوطني ليكون حاضرًا في كل محفل، ومؤهلًا للردّ والتأطير والإقناع.

فالقضية الوطنية لا تُدافع عنها الجيوش فقط، بل الكلمة أيضًا. وما لم تتحرّك الصحافة المغربية لتكون صوت الدولة في الخارج، سيظل غيرها يتحدث باسمها، ولو بخطأ أو تضليل.

أليس هذا هو الوقت المناسب لإعادة الاعتبار إلى الصحافي المغربي بوصفه جنديًّا في معركة الوعي والدبلوماسية؟