“الحكومة تفتخر بالإنجازات…أموال ضخمة وهدر مستمر..الإصلاح التعليمي ليس مجرد مشاريع”

0
137

في المغرب، يبقى التعليم في قلب النقاش الوطني، ليس كمجرد قطاع خدمي، بل كمرآة لحالة المجتمع بأسره. تصريحات وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، سعد برادة، حول تراجع حالات الهدر المدرسي من 300 ألف إلى 270 ألف تلميذ وتلميذة، أثارت جدلاً واسعاً. الرقم، رغم انخفاضه الظاهري، يظل مؤشراً على هشاشة الواقع التعليمي والاجتماعي، ويطرح أسئلة جوهرية حول مدى فعالية السياسات الحكومية وإمكانية إيجاد حلول جذرية لمشكلة عميقة ومتجذرة.

الخبراء في الشأن التربوي يؤكدون أن أسباب الهدر المدرسي متعددة ومعقدة. فالفقر والاضطرار إلى تشغيل الأطفال في بعض الأسر القروية، إلى جانب التفكك الأسري وضعف وعي أولياء الأمور، يشكلان عوامل مباشرة. المناهج الدراسية نفسها، وفقًا لبعض الباحثين، لا تلبي حاجات التلاميذ، وتفتقر إلى عنصر الجذب والتحفيز، ما يجعل المدرسة فضاءً أقل جاذبية للمتعلمين. وفي غياب متابعة نفسية واجتماعية كافية، يصبح التلميذ عرضة للانحراف وفقدان الثقة بالنفس، فيما تتراجع التنمية البشرية ككل، لارتباطها الوثيق بالمستوى التعليمي للمجتمع.

من جهة أخرى، جاءت المداخلة البرلمانية الأخيرة لتسليط الضوء على أبعاد سياسية وثقافية لهذه الأزمة. النائبة البرلمانية لم تتردد في توجيه نقد لاذع للحكومة، مؤكدة أن الأموال الطائلة التي أنفقتها الدولة على مشاريع مثل “مدارس الريادة” لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، وأن هذه الإصلاحات الشكلية والتقنوية خلقت فجوة بين المؤسسات التعليمية، وعطلت كفاءة النقد والابتكار لدى التلاميذ.

المداخلة أكدت أن إصلاح التعليم ليس مجرد حزمة مشاريع، بل منظومة متكاملة تضم التلميذ والمدرس والمؤسسة التعليمية، وتحتاج إلى رؤية مستدامة تتجاوز مدة ولاية حكومية واحدة. كما طرحت تساؤلات مفتوحة حول جدوى الإنفاق الكبير دون تنسيق فعال بين وزارة التعليم والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، ودور المجتمع المدني والبرلمان في ضمان تحقيق النتائج المرجوة.

في هذا الإطار، أكد الوزير برادة أن الوزارة تعمل على خطة شاملة للحد من الهدر المدرسي، تشمل توفير النقل المدرسي، تعزيز دور الداخليات، توسيع مدارس “الفرصة الثانية” وتقديم دعم مالي للمتعلمين المتسربين، فضلاً عن تأهيلهم لمهارات مهنية تمكنهم من الاندماج في سوق العمل مستقبلاً.

لكن يبقى السؤال الأعمق: هل تكفي الخطط والإمكانيات المادية لمعالجة أزمة متجذرة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي؟ وهل يمكن أن تحول الإصلاحات التعليمية الشكلية إلى مسار حقيقي للنهوض بالتعليم، يربط بين المدرسة والمجتمع، ويعيد الثقة بين المتعلم والمؤسسة التعليمية؟

إن الهدر المدرسي وإصلاح التعليم ليسا مجرد تحدٍ إداري، بل انعكاس لحالة المجتمع ككل، وقدرة الدولة على الجمع بين التعليم والسياسات الاجتماعية والاقتصادية لبناء مستقبل مستدام للشباب المغربي. وفي غياب رؤية متكاملة ونجاعة فعلية للإصلاح، يظل السؤال مطروحًا: هل سنتمكن من إعادة رسم خريطة التعليم في المغرب، أم ستظل المدرسة مرآة لمشكلات المجتمع المزمنة؟