أكثر من 80% من المغاربة يطالبون برحيل حكومة أخنوش: حكم شعبي لا يقبل الاستئناف

0
139

في مغربٍ تتسارع فيه التحولات وتضيق فيه المساحات بين الوعود والواقع، جاء استطلاع الرأي الذي نشرته جريدة الصحيفة كمرآةٍ صادمة للواقع السياسي والاجتماعي. 82 في المئة من المغاربة، وفق نتائج الاستطلاع، يطالبون باستقالة حكومة عزيز أخنوش.

ليست الأرقام هنا مجرد نسب جامدة، بل صدى لاحتقانٍ اجتماعي يتجاوز الأداء الحكومي إلى سؤالٍ أعمق عن جدوى السياسة نفسها. كيف تصل حكومة تمتلك أغلبية مريحة في البرلمان إلى هذه الدرجة من العزلة الشعبية؟وكيف تحوّلت تلك الأغلبية التي رُوّج لها كضمانة للاستقرار إلى عبءٍ يُفاقم أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع؟

أسئلة تعيدنا إلى أصل المشكلة: الوعود التي رُفعت في لحظة التفاؤل الأولى، والواقع الذي يتكشّف اليوم على نحوٍ مغاير تمامًا.

من “الدولة الاجتماعية” إلى دولة الشعارات

كان يفترض أن تكون هذه الحكومة عنوانًا لتحولٍ نوعيّ في معيش المغاربة، ببرامج وُصفت آنذاك بـ”الثورية”: تشغيل مليون شاب، إصلاح التعليم، تحسين الخدمات الصحية، محاربة الفقر، وإرساء أسس الدولة الاجتماعية.

لكنّ ما تحقق بعد أربع سنوات لا يُقاس بالوعود، بل بالفجوة التي ازدادت اتساعًا بين الخطاب والواقع. ارتفعت الأسعار، تآكلت القدرة الشرائية، تراجع الاستثمار، وتفاقمت البطالة، خاصة في صفوف الشباب الذين يشكّلون ما يُعرف اليوم بـ”جيل Z” — الجيل الذي لم يعد يؤمن بالشعارات، بل بلغة الأرقام والنتائج.

هؤلاء الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع من الدار البيضاء إلى أكادير، لا يتحركون تحت راية حزب أو نقابة. إنهم صوت جيل جديد من الوعي، جيل وُلد في عصر الرقمنة لكنه وجد نفسه محاصَرًا في واقعٍ بلا أفق.

جيلٌ لا يطلب المستحيل، بل فقط أن يرى أثر الوعود في حياته اليومية: في المدرسة، في المستشفى، في سوق العمل.

انهيار الثقة: من الاقتصاد إلى القيم

الأرقام التي كشفها الاستطلاع ليست معزولة عن هذا السياق. 82 في المئة من المشاركين — أي أكثر من أربعة أخماس العينة — قالوا بوضوح إنهم لا يرون مستقبلًا لحكومة أخنوش. وإذا كانت الأرقام تُقاس عادةً بموازين الإحصاء، فإن ما تُخفيه هنا هو أزمة شرعية رمزية، لأن فقدان الثقة لا يطال الحكومة فقط، بل يمتد إلى الفكرة نفسها عن السياسة كأداةٍ للتغيير.

ففي الاقتصاد، لم تُخلق الثروة المنتظرة، بل أُغلقت آلاف المقاولات الصغيرة والمتوسطة. وفي التعليم، تحوّلت خارطة الطريق إلى متاهة، بينما تتفاقم الاحتجاجات بين الأساتذة والوزارة.

أما في الصحة، فمشاريع التأمين والحماية الاجتماعية لم تغيّر واقع المستشفيات، حيث ما زال المريض يواجه الطوابير والخصاص والإهمال. هكذا، يتحول الإنجاز من مفهومٍ مادي إلى خطابٍ دعائي، وتتحول الكفاءة إلى شعارٍ يختبئ خلفه الفشل.

جيل Z: من الفضاء الرقمي إلى الشارع

الموجة التي يقودها “جيل Z” ليست مجرد احتجاج عابر. إنها لحظة وعي جماعي جديدة، تُعلن عن انتقال الغضب من العالم الافتراضي إلى الشارع الواقعي. هؤلاء الشباب لم يعودوا يقبلون الخطاب الرسمي حول “الإصلاحات الكبرى”، لأنهم لا يرون انعكاسها في تفاصيل يومهم: في ثمن الخبز، في تذكرة النقل، في كلفة الدواء.

لقد كسرت هذه الحركة ما تبقى من الحاجز النفسي بين السياسة والجيل الرقمي، وأدخلت البلاد في مرحلةٍ جديدة من النقاش العمومي الصريح الذي لا يهادن ولا يثق في البيانات الرسمية.

ما بعد الصدمة: هل تستوعب الدولة رسائل الشارع؟

الاستطلاع إذن ليس رقمًا عابرًا في فضاء الإنترنت، بل وثيقة اجتماعية تعبّر عن عمق التحوّل في المزاج العام. إنه إنذار مبكّر لسلطةٍ سياسية تبدو كأنها فقدت قدرتها على قراءة المجتمع. فحين يُجمع ثمانية من كل عشرة مواطنين على رفض الاستمرار في تجربةٍ حكومية، فذلك يعني أن الهوة بين الدولة والمجتمع بلغت مستوى الخطر.

فهل تستوعب الحكومة هذا الإنذار؟ وهل يمكن إصلاح العلاقة بين الشارع والسلطة دون إعادة النظر في مفهوم الحكم نفسه، وفي معنى السياسة كفضاءٍ للخدمة لا كأداةٍ للتدبير الإداري؟ وهل يدفع هذا الغضب إلى ميلاد وعيٍ جديد يُعيد تعريف الديمقراطية من القاعدة الاجتماعية لا من الصالونات السياسية؟

خاتمة: لحظة الحقيقة

حكومة أخنوش تعيش اليوم لحظة الحقيقة، لا لأن استطلاعًا كشف ضعف شعبيتها، بل لأن المغاربة قرروا أن يقيسوا الأداء لا الخطاب.

اللغة تغيرت، والمزاج الشعبي تغيّر، والجيل الجديد يراقب كل شيء بعيونٍ مفتوحة. وما لم تنتقل الحكومة من الدفاع إلى الفعل، ومن التبرير إلى الإصغاء، فإنها ستواجه ليس فقط خطر السقوط السياسي، بل خطر فقدان المعنى نفسه للثقة في المؤسسات.

ففي النهاية، ليست القضية في أن تستقيل حكومة، بل في أن ينهض وطنٌ كامل على قاعدة الصدق والفعالية. وهذا هو السؤال الحقيقي الذي يطرحه استطلاع “الصحيفة” على المغرب اليوم.

قانون الإضراب في المغرب: حين تضيق المساحات وتختبر النقابات حدودها