المغرب.. حين يتحول الحلم إلى منظومة: قراءة في تتويج “أشبال الأطلس” بمونديال U20

0
330

في سانتياغو، حيث كانت الأضواء تُنير ملعبًا شهد عبر التاريخ لحظات مجد وانكسار، وقف “أشبال الأطلس” ليكتبوا فصلاً جديدًا في ذاكرة كرة القدم العالمية. انتصر المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة على الأرجنتين بنتيجة 2-0، ليصعد إلى قمة العالم الشاب، ولكن ما الذي يعنيه هذا الفوز حقًّا؟ هل هو مجرد انتصار كروي أم إشارة رمزية إلى تحول أعمق في الوعي الرياضي المغربي؟

بين الميدان والرمز: كرة القدم كلغة هوية

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن الإطار الوطني محمد وهبي لم يدخل المباراة فقط بتشكيلة، بل بفلسفة. كان اختياره للاعبين مثل الزبيري ومعمر وباعوف وجسيم… انعكاسًا لفكرة جماعية، حيث لا يعلو النجم على المنظومة.

هنا، في قلب الميدان، تجسدت مقولة أن “كرة القدم ليست مجرد رياضة، بل انعكاسٌ للمجتمع الذي ينتجها”. فذلك الانسجام التكتيكي والانضباط الذهني لم يأتيا من فراغ، بل من تراكم وعي رياضي جديد بدأ يتشكل في المغرب خلال السنوات الأخيرة — وها هو اليوم يثمر بطولة عالمية.

الهدف الأول: لحظةُ انتقال من الطموح إلى الإيمان

حين دوّت تسديدة الزبيري في الدقيقة 12، لم يكن الهدف مجرد تسجيلٍ مبكر، بل إعلانًا صريحًا بأن المغرب لم يعد يكتفي بالمشاركة. ذلك الهدف فتح الباب أمام مشهد رمزي: جيل شاب يحمل راية بلد بأكمله، يواجه مدرسة كروية تمثل تاريخًا من الغطرسة الكروية والهيمنة، ويكسر عقدة “الاحترام المفرط” أمام الأسماء الكبيرة.

أليس هذا التحول النفسي هو جوهر كل نهضة؟ أن يتحول الشعور بالدونية إلى رغبة في المبادرة؟

ما وراء النتيجة: نصر في الذهنية قبل اللوحة الإلكترونية

المدرب وهبي لم يكتف بإدارة مباراة، بل قاد ثورة في طريقة التفكير. في الشوط الثاني، حين اختار الانكماش الدفاعي والاعتماد على الارتداد الهجومي، لم يكن ذلك خوفًا بل نضجًا تكتيكيًا؛ وعيٌ بأن البطولة لا تُربح فقط بالحماس، بل بالقدرة على قراءة الزمن داخل المباراة، وضبط الإيقاع بين الدفاع والهجوم كما لو أن المنتخب يعزف مقطوعة متقنة التناغم.

وكم نحتاج في مجتمعاتنا لهذا النوع من التفكير الاستراتيجي — حيث لا تُقاس القوة بالصوت المرتفع، بل بالقدرة على الصبر والتخطيط والانضباط؟

من المونديال إلى الذات الوطنية: ماذا بعد التتويج؟

الانتصار المغربي في سانتياغو هو أكثر من لحظة فرح. إنه رسالة إلى مؤسسات التربية والرياضة والثقافة بأن الجيل الجديد قادر على الإنجاز حين يُمنح الثقة. في كل تمريرة، وفي كل اندفاع دفاعي، كان هناك إعلانٌ بأن “الجيل المغربي الجديد” لا يكتفي بالتصفيق للنجاحات، بل يصنعها بعرقٍ وإصرار.

لكن السؤال الأعمق: هل ستواكب السياسة الرياضية هذا التحول؟ هل سيُترجم هذا المجد المؤقت إلى سياسة تكوين مستدامة، تُنتج جيلاً بعد جيل، كما فعلت مدارس البرازيل والأرجنتين سابقًا؟

الرياضة كمرآة للأمة

في النهاية، رفع “أشبال الأطلس” الكأس العالمية في عاصمة بعيدة، لكن ما رفعوه في الحقيقة هو صورة جديدة للمغرب: دولة تستطيع أن تحوّل الحلم إلى إنجاز، بشرط أن توحّد مؤسساتها حول رؤية واضحة.

لقد أظهرت هذه البطولة أن المغرب حين يشتغل بعقلٍ جماعي، يصبح قادرًا على مجاراة العالم — لا في كرة القدم فحسب، بل في كل المجالات التي تتطلب الإيمان بالممكن.

فهل يكون تتويج سانتياغو بداية لزمنٍ رياضي جديد، أم مجرد لحظة عابرة في ذاكرةٍ مثقلة بالإنجازات المنسية؟
ذلك هو السؤال الذي سيجيب عنه المستقبل، لا بنتائج المباريات، بل بقدرتنا على تحويل النصر إلى مشروع.