لماذا الآن؟ تصريحات التويزي بين “توضيح الضرورة” و”معركة ما قبل الإعصار”

0
175

حين يتكلم البرلماني بعد الصمت… يكون الكلام رسالة بحد ذاته

لم يكن تصريح أحمد التويزي الأخير مجرد تصحيح لتعبير لغوي أثار الجدل، بل موقفًا محسوبًا في زمن سياسي حساس. فما الذي جعله يخرج اليوم، بعد أسابيع من العاصفة التي أحدثها كلامه تحت قبة البرلمان، ليقدم رواية “واقية” لما قاله سابقًا؟ هل هو سعي إلى إغلاق ملف بات يحرج الحكومة؟ أم محاولة لإعادة توجيه البوصلة نحو من يقفون خلف فساد الدعم العمومي لمادة الدقيق؟

الجواب، كما يرى بعض المراقبين، يكمن في تبدّل موازين القوى داخل الأغلبية الحكومية نفسها. فالحديث عن “لوبيات خطيرة على الديمقراطية” لم يأتِ من المعارضة، بل من أحد أبرز وجوه حزب الأصالة والمعاصرة، الحليف المركزي لحزب التجمع الوطني للأحرار. وهذا وحده كافٍ ليجعل التوقيت لافتًا، خصوصًا في ظل ما يُشاع عن توترات مكتومة بين مكونات الأغلبية بسبب ملفات الدعم والصفقات العمومية.

تصريحات التويزي جاءت إذن كصفارة إنذار سياسية، أكثر منها توضيحًا لغويًا. فالرجل لم يتراجع عن جوهر ما قال، بل أعاد صياغته بلغة أكثر دبلوماسية، مع التأكيد على أن “القصد كان مجازيًا”.

لكن خلف المجاز، تتحرك حقائق ثقيلة: منظومة دعم تلتهم 16.8 مليار درهم سنويًا، وشبكات مصالح تتغذى على “الدقيق السياسي” أكثر من القمح نفسه.

في لغة التويزي الجديدة، يمكن قراءة رسالة مزدوجة: رسالة إلى الرأي العام تقول “لم أتهم أحدًا زورًا”، ورسالة ضمنية إلى الداخل الحكومي تقول “لقد بلغت”. فهو لا يتراجع، بل يختار الظرف المناسب لإعادة التذكير بأنه ليس من السهل إسكات من شاهد الفساد عن قرب.

من زاوية أخرى، لا يمكن تجاهل أن توقيت التصريح يأتي قبل أشهر من التحركات الانتخابية المقبلة، حيث يسعى كل طرف داخل الأغلبية إلى تحسين صورته أمام الناخبين، خصوصًا بعد تراجع الثقة في الخطاب السياسي الرسمي.

والسؤال الذي يفرض نفسه: هل جاءت تصريحات التويزي كخط دفاع مسبق عن الذات والحزب، تحسبًا لأي زلزال انتخابي؟ أم أنها طلقة تحذيرية ضد تغوّل شبكات الريع التي تهدد حتى تماسك الأغلبية؟

في النهاية، يبدو أن ما “طُحن” في هذه القضية ليس الدقيق ولا الورق، بل الحدود بين الكلام والسياسة، بين المجاز والحقيقة. ففي المغرب، حين يتحدث نائب برلماني عن الفساد بالمجاز، ويُضطر بعد أسابيع لتوضيحه… فذلك يعني أن الحقيقة صارت تُقال مرتين: مرة بالرمز، ومرة بالتحذير.