الحركة الشعبية: من المعارضة المسؤولة إلى الوعي التاريخي بمرحلة ما بعد القرار الأممي حول الصحراء المغربية

0
161

لحظة سياسية تعيد تعريف دور المعارضة الوطنية في زمن الانتصارات الدبلوماسية للملك محمد السادس، وتفتح أفقًا جديدًا لعقل الدولة المغربية في مواجهة رهانات الجغرافيا والسيادة.

في لحظة تبدو وكأنها تتجاوز حدود السياسة لتلامس جوهر التاريخ، يخرج صوت حزب الحركة الشعبية — الحزب العريق الذي خبر دهاليز الدولة وذاكرة المقاومة، ويقوده اليوم الأمين العام محمد أوزين — ليعلن بوضوح: إن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن قضية الصحراء المغربية ليس مجرد وثيقة دولية جديدة، بل هو منعطف استراتيجي يؤكد انتصار الرؤية الملكية الحكيمة التي رسم معالمها جلالة الملك محمد السادس على مدى ربع قرن من العمل الدبلوماسي الهادئ والممنهج.

البيان الصادر عن الحزب لا يكتفي بالتعبير عن الابتهاج، بل يعيد ترتيب المشهد الوطني وفق منظور أكثر عمقاً: فـ المسألة لم تعد قضية نزاع إقليمي، بل تحولت إلى قضية سيادة راسخة ومشروعية دولية مكتملة. وهنا تكمن فرادة هذا الموقف؛ فالحركة الشعبية لا تنظر إلى القرار من زاوية الانتصار فحسب، بل من زاوية المسؤولية التاريخية التي يفرضها هذا الانتصار على الأحزاب والبرلمان والمجتمع المدني، باعتبارهم جميعاً امتداداً للدبلوماسية الملكية الرسمية في بعدها الشعبي والمؤسساتي.

كيف يمكن اليوم ترجمة هذا التحول إلى فعل سياسي واقتصادي ملموس؟ وكيف يمكن للأحزاب أن تنتقل من مرحلة التفاعل إلى مرحلة صناعة المبادرة في الدبلوماسية الموازية؟ أسئلة يطرحها الموقف الحركي بصيغة الالتزام لا الخطابة، وبدلالات تتجاوز لحظة البيان إلى رؤية وطنية متكاملة.

يذكّر الحزب بأن المرحلة القادمة تستدعي تسريع وتيرة تنزيل الجهوية المتقدمة كإطار دستوري وسياسي لتجسيد وحدة التراب، وبناء نماذج تنموية جهوية حقيقية في الأقاليم الجنوبية تترجم روح الخطاب الملكي في التنمية المندمجة والمستدامة. إنها لحظة مراجعة لا تقل أهمية عن لحظة الانتصار: فكل انتصار دبلوماسي يفرض هندسة جديدة في التفكير السياسي الوطني.

وفي قراءة أكثر عمقاً، يظهر البيان كوثيقة فكرية بقدر ما هو موقف سياسي. إذ يدعو إلى تحالف مغاربي جديد قائم على التنمية لا على الحذر، وعلى التعاون لا التنافر. فالرسالة الموجهة إلى “الأشقاء الجيران” ليست دعوة عاطفية، بل اقتراح استراتيجي لإعادة بناء الفضاء المغاربي على أساس مبدأ “المغرب الأطلسي” الذي بشّر به الملك محمد السادس كمدخل لمغرب أفريقي صاعد.

كما لا يغيب عن الخطاب الإنساني للحركة الشعبية نداءها الموجّه إلى إخواننا الصحراويين المحتجزين في تندوف: نداء العودة إلى الوطن الأم، لا بلغة السياسة، بل بلغة الانتماء والكرامة. إنها دعوة للمصالحة مع الجغرافيا والتاريخ معاً.

في جوهره، يعكس هذا البيان وعياً نادراً بين أحزاب المعارضة في العالم العربي: وعي المعارضة الوطنية التي لا تعارض من أجل المعارضة، بل تواكب الدولة في انتصاراتها، وتراقب بوعي في لحظات التحول الكبرى. إنها معارضة تحافظ على المسافة النقدية دون أن تفقد الانتماء، وتؤمن أن اللحظة المغربية الراهنة تتجاوز كل الحسابات الضيقة، لأنها ببساطة لحظة ملك وشعب ودبلوماسية دولة تنتصر للتاريخ.

ويبقى السؤال المفتوح أمام القوى السياسية الوطنية اليوم: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة من “المسؤولية المشتركة” في الدفاع عن الوحدة الترابية، حيث تتحول المعارضة إلى شريك وطني في البناء؟ أم أننا ما زلنا بحاجة إلى إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والأحزاب في ضوء هذا التحول التاريخي؟

ما لا شك فيه أن حزب الحركة الشعبية، وهو يستعيد روح مؤسسيه الأوائل، يختار أن يكون ضميراً وطنياً يقظاً في زمن التحولات الكبرى، مؤمناً بأن الدفاع عن الصحراء ليس مجرد موقف، بل منهج في الانتماء وبوصلة في السياسة.