إصلاح معلن، لجان بلا أسماء، دعم يصرف في صمت، وصحافيون مستقلون يشتغلون بلا حماية… من يملك الجرأة على فتح الملفات بدل تجميل الواجهة؟
عاد ملف الإعلام العمومي إلى البرلمان المغربي، مع إعلان وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، عن دراسة جديدة تنجزها وزارة الاقتصاد والمالية لإعادة النظر في الوضع المالي للقنوات العمومية، في إطار الورش الجاري لإعادة هيكلة القطاع.
الحديث عن الدراسة يأتي في وقت تشهد فيه المؤسسات العمومية تحديات مالية متزايدة، نتيجة الاعتماد الكبير على الإشهار، الذي تحوّل من شرايين تمويل الصحافة التقليدية إلى رقمنة وسيطرة المنصات الرقمية الكبرى.
الدعم العمومي: أرقام رسمية غير متكاملة
حسب بيانات رسمية، بلغ الدعم العمومي لقطاع الصحافة والإعلام حوالي 325 مليون درهم في 2024، مخصصاً أساسًا لتغطية أجور المستخدمين، الاشتراكات الاجتماعية، والضرائب. كما أشار بيان الوزارة إلى فتح باب طلبات الدعم للمؤسسات الصحفية والفنية والشركات المختصة في الطباعة والتوزيع برسم سنة 2025.
إلا أن هذه الأرقام لا تعكس توزيع الدعم على جميع الفئات المعنية. فالمعطيات المتوفرة تشير إلى أن معظم الدعم يذهب للمؤسسات الكبرى، بينما لا تتوافر بيانات رسمية حول الصحفيين الفريلانسر أو الصحافة المستقلة، رغم وعود سابقة بالتعويض أو الإدماج ضمن آليات الدعم.
المرسوم رقم 2.23.1041 والقرار المشترك رقم 2345.24 بين وزارتي الثقافة والمالية يحددان شروط الدعم، لكن الشفافية حول المستفيدين والمعايير الدقيقة لا تزال غير متوفرة للجمهور. وهذا يثير تساؤلات حول مدى شمولية الدعم وعدالته، خاصة للفئات التي تقدم عادة صحافة استقصائية وتحليلية مستقلة.
الصحفيون الفريلانسر: بين الوعود والغياب
إحدى الثغرات الأساسية في توزيع الدعم العمومي تتعلق بالصحفيين المستقلين (Freelancers). رغم حديث بعض المنابر والنقابات عن وعود بتعويضهم منذ تولّي الوزير بنسعيد مهامه، لا توجد حتى الآن بيانات رسمية تثبت صرف أي دعم لهم، أو تحديد عدد المستفيدين من هذه الفئة.
التقديرات المهنية تشير إلى أن الفريلانسر يمثلون جزءاً مهما من الصحافة المغربية، خصوصاً في إنتاج التحقيقات والتحليلات العميقة، ولكنهم يواجهون اليوم غياب أي آلية حماية مالية أو دعم مستمر.
تغيّر سوق الإشهار وتأثيره على الإعلام العمومي
يؤكد وزير الثقافة أن القناة الثانية تعتمد بنسبة 90% على الإشهار، بينما يغطّي الدعم الحكومي نسبة 10% فقط من ميزانيتها. مع تحوّل الشركات الكبرى نحو الرقمنة وتركها الإطار التقليدي للإشهار، أصبحت بعض القنوات العمومية تواجه أزمة مالية مزمنة، تتجلّى في تأخر الدفع لشركات الإنتاج والمستقلين الذين يقدمون خدمات إعلامية.
هذا التحوّل يطرح تساؤلات حول قدرة القنوات العمومية على الاستمرار في تقديم محتوى إعلامي متنوع ومستقل، ويفتح باب النقاش حول دور الدولة في حماية الإعلام العام، وضمان استدامة التمويل بما يحقق التعددية الإعلامية.
الهيئة الجديدة: إصلاح أم إعادة ترتيب؟
أعلنت الوزارة قبل أسابيع عن تأسيس هيئة لإعادة هيكلة القطاع، في سياق تنظيم الإعلام والإشهار. إلا أن تفاصيل الهيئة، مثل لائحة الأعضاء، معايير اختيارهم، وصلاحيات الهيئة، لم تُعلن بعد، ما يجعل من الصعب تقييم مدى قدرتها على ضمان العدالة والشفافية في توزيع الدعم، أو إشراك جميع الأطراف الفعلية في القطاع.
المصادر المتاحة تشير فقط إلى أن مشروع القانون 26.25 للمجلس الوطني للصحافة يقترح رفع عدد الأعضاء إلى 19، مع توزيع الفئات داخل المجلس، بما في ذلك 7 ممثلين عن الصحافيين المهنيين. لكن لا تتوفر معلومات دقيقة حول مشاركة الفريلانسر أو الصحافة المستقلة ضمن هذه الهيئة الجديدة.
دور الشباب وفتح الفضاءات
في ما يخص دور الشباب، أعلن الوزير أن نسبة 70 إلى 80% من هذه الدور التي كانت مغلقة قد تم فتحها، بالتعاون مع السلطات المحلية والمنتخبين. إلا أن المعطيات المتوفرة لا توضح ما إذا كانت هذه الفضاءات توفر محتوى نوعياً للشباب، أم أن فتحها اقتصر على الجانب المادي فقط، مثل مفاتيح الأبواب وصيانة البنايات.
استنتاجات أولية
-
الدعم العمومي موجود، لكنه غير شفاف في توزيع المبالغ والجهات المستفيدة، خصوصاً للصحفيين الفريلانسر.
-
هناك فجوة في المعلومات حول عدد الفريلانسر المستحقين للدعم، ومتى سيتم صرف أي تعويض لهم.
-
الهيئة الجديدة والهيكلة المقترحة قد تحمل فرصة لإصلاح القطاع، لكن غياب المعايير الواضحة والأسماء المنشورة يطرح تساؤلات حول كفاءة التمثيل والعدالة.
-
تحوّل سوق الإشهار نحو الرقمنة يضاعف تحديات الإعلام العمومي، ويبرز الحاجة إلى مراجعة آليات التمويل بما يضمن استمرار تقديم محتوى إعلامي متنوع ومستقل.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال المركزي: هل سيكون الإعلام العمومي المغربي قادراً على الوفاء بدوره في خدمة العموم، وضمان تمثيل جميع الأطراف الفعلية في القطاع، بما في ذلك الصحفيون الفريلانسر، أم أن الدعم سيستمر في التركيز على المؤسسات الكبرى؟
جدولاً مفصّلاً بأبرز الأرقام الرسمية المتوفّرة حتى تاريخه حول الدعم العمومي الممنوح لقطاع الصحافة والمجالات المرتبطة به في المغرب، مع التأكيد أن بعض الفئات ما زالت تعاني من نقص بيانات شفافة (مثلاً الصحافيون الفريلانسر أو التوزيع):
| الفئة | المبلغ المعلن | ملاحظات |
|---|---|---|
| إجمالي الدعم “الاستثنائي” لقطاع الصحافة (مستخدمين/أجور/اشتراكات) في 2024 | 325 مليون درهم La Quotidienne+2allAfrica.fr+2 | تم تخصيصه لتغطية الأجور، الاشتراكات الاجتماعية وضريبة الدخل. Maroc+1 |
| دعم «مساهمة ثابتة» للصحافة والنشر في 2024 | 35 مليون درهم allAfrica.fr+2Article 19+2 | موجهة للصحافة الورقية/النشر حسب ما أعلن الوزير. |
| دعم الصحافة الحزبية في 2024 | 1.4 مليون درهم La Quotidienne+1 | مخصصاً لفئة الصحافة المرتبطة بالأحزاب. |
| دعم الطباعة (المطبعة) في 2024 | 9 ملايين درهم allAfrica.fr+1 | موجه لقطاع الطباعة وفق الإعلان الرسمي. |
| دعم النشر (الكتب/المنشورات) في 2023 | 30 ملايين درهم allAfrica.fr+1 | مذكور للسنة 2023 وليس 2024. |
| دعم التوزيع | لم يُمنح (0 درهم) La Quotidienne+1 | القطاع لم يستفد من الدعم بحسب ما أعلن الوزير، بسبب نقاش حول النموذج الاقتصادي. |
ملاحظات مهمة على الجدول
-
الأرقام مأخوذة من بيانات رسمية قدمها الوزير محمد المهدي بنسعيد أمام لجنة مجلس النواب. La Quotidienne+2allAfrica.fr+2
-
بالرغم من توفر هذه الأرقام، فإن الجدول لا يشمل فئات مهمة مثل الصحفيين الفريلانسر، أو تفاصيل مفصلة حسب كل مؤسسة.
-
بعض الأرقام تخص سنة 2023 (مثل دعم النشر) وليس دائماً 2024، ويُفضل التنويه بذلك عند الاستخدام.
-
دعم التوزيع = 0 درهم وفق ما أعلن، ما يطرح تساؤلات حول استدامة هذا القطاع ضمن منظومة الدعم.
-
عدم وجود بيانات منشورة حول عدد المستفيدين أو أسماء المؤسسات أو الصحفيين المعنيين يجعل من الصعب تقييم مدى العدالة في التوزيع.
خاتمة… ليست ختاماً
الدراسة المالية قد تعالج المرض الظاهر. لكن المرض الحقيقي سياسي، ثقافي، وإعلامي في آن:
-
هل الإعلام العمومي خدمة عمومية أم سلعة دعائية؟
-
هل الدعم وسيلة لضمان الاستقلال أم آلية لإعادة إنتاج التوازنات؟
-
هل سيظل الفريلانسر، الذي يحمل الصحافة على كتفيه بلا مظلّة، خارج كل المعادلات؟


