يرتدي ثوب التبادل… أم الثوب الدبلوماسي؟ جدل استراتيجي حول دخول الجزائر إلى «ميثاق من أجل المتوسط» ضمن برنامـج Erasmus+

0
98

في خطوة بدأت تبدو تقنية وأكاديمية، أعلنت مؤسّسات الاتحاد الأوروبي، في أكتوبر 2025، عن إطلاق «ميثاق من أجل المتوسط» كامتداد لتقارب أوسع مع دول جنوب البحر المتوسط، وتضمين دولة مثل الجزائر في برامج التبادل الأكاديمي وفضاءات التعاون مثل «Erasmus+».

لكنّ القرار لم يمرّ مرور الكرام. إذ سرعان ما تحوّل إلى صداع دبلوماسي في أروقة بروكسل، وإلى معركة رمزية في باريس، حيث رأى بعض المشرّعين في التوسّع تهديداً لقيم الحريات والمبادئ التي يُعلِنها الاتحاد.

الإطار والأهداف الرسمية
وفقا لبيان صادر عن رئيسة المفوضية الأوروبية، فإنّ المبادرة تهدف إلى «بناء فضاء أكاديمي متوسط جديد» من خلال فتح برامج التبادل الجامعي والعلمي أمام دول الجوار الجنوبي.

يُقرُّ البيان بأن «Erasmus+» ليس فقط مشروعاً للتنقّل، بل أداة لبناء شبكات بحثية، تربط الجامعات الأوروبية بجامعات الجنوب في إطار استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ الأوروبي الناعم.

لكنّ السؤال الذي تتجنّبه الكثير من التصريحات هو: إلى أيّ حدّ تمّت مراعاة المعايير الحقوقية الجامعية، وهل الشرط القيمي ثابت أم قابل للتنازل مقابل «التوسّع التكنولوجي والسياسي»؟

الصدام والمواقف المعارضة
من بين الأصوات البارزة التي انتقدت القرار، يأتي اسم فرانسوا‑كزافييه بيلامي، نائب في البرلمان الأوروبي عن حزب «الجمهوريون» الفرنسي، والذي وصف خطوة إدراج الجزائر بأنها «التزام بصمت مع نظام لا يحترم الحريات الأساسية». وفق منشور له، قال:

«فتح Erasmus+ أمام الأنظمة التي لا تحترم حرّية الصحافة والمثقّفين هو خيانة للقيم التي أعلنها الاتحاد».
كما اعتبر أن «الدبلوماسية التعليمية» تحوّلت إلى «غطاء لتلميع صورة أنظمة تضبط حريّة التعبير».

من جهة أخرى، بعض المعلّقين يرون أنّ هذا الخطاب يعكس أيضاً توتّرات أكبر بين باريس والجزائر، لا سيّما في ملفّ الهجرة وإعادة القبول، حيث يرى بيلامي أن منح الجامعات الجزائرية هذا النوع من الاعتراف معنويّاً تُعدّ مفارقة أخلاقية.

ما وراء الخطاب: مصالح أم مبادئ؟
من زاوية تحليلية، ينبغي أن نُلاحظ أن القرار لا يمكن فصله عن الأبعاد الجيوسياسية التالية:

  • حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الشراكة مع دول حديثة النموّ في حوض المتوسط، خصوصاً في مجالات البحث والابتكار والتعليم، كجزء من تنافسية مع الصين وتركيا.

  • الجزائر، من جانبها، تسعى إلى تنويع شراكاتها الأكاديمية والدولية، وربما تنظر إلى هذا الانخراط كرافعة لتعزيز قدراتها الجامعية والبنية البحثية.

  • في المقابل، يوجد خطر أن تُستخدم البرامج الأكاديمية كأدوات دبلوماسية تُقدّم «شرعية رمزية» لنظام يُنتقد داخلياً من حيث الحرّيات المدنية، ما يفتح باب التساؤل: هل «التبادل الأكاديمي» هدف في حد ذاته، أم أصبح وسيلة لتحقيق غايات سياسية؟

الأسئلة التحرّيرية التي لا بدّ من طرحها
• ما هي بنود الاتفاقية/المذكرة التي وقّعها الاتحاد الأوروبي مع الجزائر ضمن «ميثاق من أجل المتوسط»؟ وهل ورد فيها بند صريح حول احترام الحريات الأكاديمية وحرّية التعبير؟

• هل هناك معايير واضحة تُطبّق على الجامعات أو الباحثين الجزائريين قبل المشاركة في برامج Erasmus+؟ وما هي آلية المراقبة/التدقيق؟

• كمّ الميزانية المخصّصة لتوسيع البرنامج نحو الجزائر؟ وما حجم التمويل أو التخصيص الذي ستلقاه الجامعات الجزائرية؟

• إلى أي حدّ مواكبة الجامعات الجزائرية مستقلة فعلياً عن الضغوط السياسية؟ وهل هناك تجارب سابقة تظهر أن التعاون الدولي تأثّر بسياسات الدولة؟

• كيف ينظر طلبة الجزائريون أو أساتذتها إلى هذا الانخراط؟ هل يرونه فرصة حقيقية أم “بروفة دبلوماسية”؟

• ما هي تداعيات هذا القرار على علاقات الاتحاد الأوروبي (خصوصاً فرنسا) مع الجزائر في قضايا أخرى كالهجرة والأمن والمنافذ الاقتصادية؟

• أخيراً، هل يُمثّل القرار تحوّلاً في أولويات الاتحاد الأوروبي: من التركيز على المبادئ إلى التركيز على المصالح؟ وإذا كان الأمر كذلك، ماذا يعني ذلك للمعلَن والمخبّأ من سياسة التعليم العالي الأوروبية؟

مـنطق المطالب والمخاوف
من جهة الجامعات والمجتمع الأكاديمي الأوروبيّ، هناك أمل بأن هذا التوسّع سيُضخّ في الجنوب المتوسّطي روحاً تجديدية: أساتذة من أوروبا يقضون فترات بحث في الجزائر، طلاب جزائريون يدرسون في بروكسل أو مدريد، مشاريع مشتركة في موضوعات مثل الطاقة أو البيئة أو التربية الرقمية.

لكنّ من جهة حقوقية، تُطرح ملاحظات بليغة: كيف يمكن أن تبنى شراكة أكاديمية «عادلة» في بلد تُسجّل فيه حالات اعتقال صحافيين أو طلّاب؟ كيف يُمكن للتبادل أن يكون فعلياً إذا كانت الحريات الأكاديمية مقيّدة؟

خلاصة وتوقّعات للنشر
إنّ القرار الأوروبي بضمّ الجزائر إلى «ميثاق من أجل المتوسط» ليس مجرد ملفّ جامعي هادئ، بل هو اختبار حقيقي لجملة من المفاهيم: القيمة والمصلحة، المبادئ والمتحوّلات، التعليم والدبلوماسية.

إذا سارت الأمور بنجاح، فقد يصبح النموذج الجامعي المتوسّطي نموذجاً للتعاون الجديد بين أوروبا وجوارها الجنوبي. أما إذا فشلت الآليات أو صُدم الشركاء بالواقع المؤسّسي، فقد يُساء استخدام المشروع كواجهة تُخفي واقعاً مؤلماً. وبالتالي، يبقى على الصحافة أن تتابع: هل ستلتزم الجامعات الجزائرية والشراكات الأوروبية بالتعهدات؟ أم أن البرنامج سيُستغل ليُعطي صورة براقة لتعاون ليس له بعدٌ فعليّ في تغيير الواقع؟