في خطوة بدأت تبدو تقنية وأكاديمية، أعلنت مؤسّسات الاتحاد الأوروبي، في أكتوبر 2025، عن إطلاق «ميثاق من أجل المتوسط» كامتداد لتقارب أوسع مع دول جنوب البحر المتوسط، وتضمين دولة مثل الجزائر في برامج التبادل الأكاديمي وفضاءات التعاون مثل «Erasmus+».
لكنّ القرار لم يمرّ مرور الكرام. إذ سرعان ما تحوّل إلى صداع دبلوماسي في أروقة بروكسل، وإلى معركة رمزية في باريس، حيث رأى بعض المشرّعين في التوسّع تهديداً لقيم الحريات والمبادئ التي يُعلِنها الاتحاد.
الإطار والأهداف الرسمية
وفقا لبيان صادر عن رئيسة المفوضية الأوروبية، فإنّ المبادرة تهدف إلى «بناء فضاء أكاديمي متوسط جديد» من خلال فتح برامج التبادل الجامعي والعلمي أمام دول الجوار الجنوبي.
يُقرُّ البيان بأن «Erasmus+» ليس فقط مشروعاً للتنقّل، بل أداة لبناء شبكات بحثية، تربط الجامعات الأوروبية بجامعات الجنوب في إطار استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ الأوروبي الناعم.
لكنّ السؤال الذي تتجنّبه الكثير من التصريحات هو: إلى أيّ حدّ تمّت مراعاة المعايير الحقوقية الجامعية، وهل الشرط القيمي ثابت أم قابل للتنازل مقابل «التوسّع التكنولوجي والسياسي»؟
الصدام والمواقف المعارضة
من بين الأصوات البارزة التي انتقدت القرار، يأتي اسم فرانسوا‑كزافييه بيلامي، نائب في البرلمان الأوروبي عن حزب «الجمهوريون» الفرنسي، والذي وصف خطوة إدراج الجزائر بأنها «التزام بصمت مع نظام لا يحترم الحريات الأساسية». وفق منشور له، قال:
«فتح Erasmus+ أمام الأنظمة التي لا تحترم حرّية الصحافة والمثقّفين هو خيانة للقيم التي أعلنها الاتحاد».
كما اعتبر أن «الدبلوماسية التعليمية» تحوّلت إلى «غطاء لتلميع صورة أنظمة تضبط حريّة التعبير».
من جهة أخرى، بعض المعلّقين يرون أنّ هذا الخطاب يعكس أيضاً توتّرات أكبر بين باريس والجزائر، لا سيّما في ملفّ الهجرة وإعادة القبول، حيث يرى بيلامي أن منح الجامعات الجزائرية هذا النوع من الاعتراف معنويّاً تُعدّ مفارقة أخلاقية.
ما وراء الخطاب: مصالح أم مبادئ؟
من زاوية تحليلية، ينبغي أن نُلاحظ أن القرار لا يمكن فصله عن الأبعاد الجيوسياسية التالية:
-
حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الشراكة مع دول حديثة النموّ في حوض المتوسط، خصوصاً في مجالات البحث والابتكار والتعليم، كجزء من تنافسية مع الصين وتركيا.
-
الجزائر، من جانبها، تسعى إلى تنويع شراكاتها الأكاديمية والدولية، وربما تنظر إلى هذا الانخراط كرافعة لتعزيز قدراتها الجامعية والبنية البحثية.
-
في المقابل، يوجد خطر أن تُستخدم البرامج الأكاديمية كأدوات دبلوماسية تُقدّم «شرعية رمزية» لنظام يُنتقد داخلياً من حيث الحرّيات المدنية، ما يفتح باب التساؤل: هل «التبادل الأكاديمي» هدف في حد ذاته، أم أصبح وسيلة لتحقيق غايات سياسية؟


