“تحيين الحكم الذاتي: هل يدشن المغرب مرحلة ما بعد المقترح أم عودة إلى جذوره بتأطير جديد؟”

0
74

قراءة تحليلية في مقال الدكتور عبد النبي العيدودي

من مقترح 2007 إلى رؤية 2025: انتقال في العمق لا في الشكل

قال الدكتور عبد النبي العيدودي إن مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007 شكّل “نقلة نوعية” في مقاربة قضية الصحراء، إذ انتقل من النهج السياسي التقليدي إلى نموذج تشاركي يوفق بين الخصوصية المحلية والوحدة الوطنية.

لكن القراءة المعمقة لهذا القول تفتح سؤالًا جوهريًا:هل كان المقترح في 2007 بدايةً لنهاية الصراع أم مجرد مقدمة لبناء مشروع متجدد يواكب تحولات الدولة المغربية ذاتها؟

اليوم، وبعد مرور أكثر من 18 سنة، يبدو أن المغرب تجاوز فعلاً مضمون وثيقته الأولى، ليس لأنها ناقصة، بل لأنها كانت نقطة انطلاق في مسار طويل من التراكم السياسي والدستوري والمؤسساتي. وهنا يكمن جوهر “التحيين” الذي دعا إليه جلالة الملك في خطاب النصر والوحدة الوطنية (31 أكتوبر 2025): تحيين في الفلسفة وليس في النص فقط.

دستور 2011: من الجهوية إلى الشرعية الدستورية للحكم الذاتي

يرى الدكتور العيدودي أن دستور 2011 أسس للإطار القانوني المتكامل الذي جعل من الجهوية المتقدمة قاعدةً للحكم الذاتي. وفي هذا المستوى، يقدم النص فعلاً تحولًا بنيويًا: فالحكم الذاتي لم يعد مجرد مبادرة سياسية، بل أصبح امتدادًا دستورياً لهوية مغربية تعددية، تتضمن المكون الحساني كجزء أصيل من النسيج الوطني.

لكن السؤال التحليلي هنا: هل تكفي الشرعية الدستورية وحدها لإرساء نموذج حكم ذاتي فعّال، أم أن الإشكال يكمن في بطء تنزيل هذه الشرعية على أرض الواقع؟

الجهوية الموسعة (2015): من المبدأ إلى التجسيد

يشير الدكتور العيدودي إلى أن مشروع الجهوية الموسعة لعام 2015 جسّد المبادئ الدستورية ميدانيًا، خصوصًا عبر إعادة تنظيم الخريطة الترابية وتحويل الصحراء المغربية إلى ثلاث جهات متكاملة.

لكن القراءة المتأنية تبرز أن التحول الإداري لم يكن كافيًا لتكريس الفاعلية الترابية الكاملة، إذ بقيت محدودية الصلاحيات المالية والاعتماد الكبير على المركز من أبرز التحديات.
وهنا يبرز سؤال آخر:

هل يمكن أن يتحقق الحكم الذاتي الحقيقي دون نقل فعلي للسلطة المالية والتنموية إلى الجهات؟

نموذج تنمية الأقاليم الجنوبية: من الاستهلاك إلى الإنتاج

أكد الدكتور العيدودي أن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية مثّل نقلة نوعية، حيث رُصدت له استثمارات تجاوزت 77 مليار درهم.

تحليل هذا الطرح يقودنا إلى تقييم مزدوج:نعم، هناك إنجازات ملموسة على مستوى البنية التحتية والطاقة والطرق، لكن التحول الاقتصادي العميق لا يقاس فقط بالأرقام، بل بقدرة هذه الاستثمارات على خلق منظومة اقتصادية ذاتية الإنتاج.

السؤال هنا: هل انتقل اقتصاد الصحراء من “اقتصاد الدعم” إلى “اقتصاد المبادرة”؟

النموذج التنموي الجديد 2021: نحو تكامل الرؤى

يعتبر الدكتور العيدودي أن النموذج التنموي الجديد لعام 2021 أكمل صورة المشروع عبر ربط العدالة المجالية بالحكامة التشاركية. تحليليًا، يمكن القول إن المغرب انتقل من منطق “الإصلاح القطاعي” إلى منطق النسق المتكامل، حيث تلتقي السياسة والاقتصاد والمجتمع في رؤية واحدة.

لكن هذا التكامل يظل رهينًا بقدرة الدولة على تحقيق الانسجام بين المركز والجهات، وبين السياسات العمومية والتدبير المحلي.

الاعترافات الدولية: من الدعم إلى الشرعنة

يبرز الدكتور العيدودي أن أزيد من 120 دولة اعترفت بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي كحل وحيد ونهائي، مستشهدًا بقرار مجلس الأمن رقم 9727 (31 أكتوبر 2025) الذي أنهى عمليًا مبدأ الاستفتاء.

لكن السؤال العميق هنا هو:هل الاعترافات الدولية كافية لإنهاء النزاع قانونيًا، أم أن المعركة انتقلت من الشرعية السياسية إلى الشرعية التنفيذية على الأرض؟

تحيين الحكم الذاتي: نقل الاختصاصات وتسريع الجهوية الموسعة

يخلص الدكتور العيدودي إلى أن التحيين يعني ببساطة نقل الاختصاصات من المركز إلى الجهات وتمكينها من تدبير شؤونها المحلية، مع احتفاظ الدولة المركزية بالقطاعات السيادية.
تحليليًا، هذا التعريف يفتح أفقًا سياسيًا جديدًا:
هل نحن أمام نموذج مغربي للحكم الذاتي يزاوج بين السيادة والوحدة، أم أمام إعادة تعريف للعلاقة بين الدولة والمجتمع المحلي؟

الخلاصة التحليلية

إن قراءة مقال الدكتور عبد النبي العيدودي تكشف أن النقاش لم يعد حول “هل نمنح الحكم الذاتي؟” بل حول كيف نمارسه بفعالية وعدالة.


لقد انتقل المغرب من مرحلة “اقتراح الحل” إلى مرحلة “صناعة النموذج”، ومن مبادرة دبلوماسية إلى هندسة داخلية شاملة تتطلب تحيينًا في التصور، والتنزيل، والعقل السياسي والإداري معًا.