فضيحة التسجيلات… حين يتحوّل الجهاز الوصي على الصحافة إلى موضوع مساءلة: هل وصلت الأزمة إلى عتبة سقوط الثقة؟

0
46

في لحظة دقيقة يمرّ منها الإعلام المغربي، خرج سؤال برلماني من غرفة التشريع ليوقظ نقاشاً ظلّ يتأجّل لسنوات: من يراقب الهيئات التي يفترض أنها جاءت لضمان الشفافية داخل قطاع الصحافة؟

النائبة فاطمة الزهراء التامني، عن فيدرالية اليسار، وضعت يدها على جرح لم يعد خافياً: تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو منسوبة لأعضاء في اللجنة المؤقتة المكلفة بتسيير قطاع الصحافة والنشر، تتضمّن ما وصفته بـ“فضيحة أخلاقية غير مسبوقة”، تُبدّد ما تبقى من الثقة في مؤسسة يُفترض أن تكون عصب استقلالية الإعلام.

تسريبات تهزّ صورة اللجنة… ومخاوف تتجاوز مضمون التسجيلات

لم يكن وقع التسريبات مرتبطاً فقط بحدة العبارات التي تردد فيها أسماء صحافيين ومؤسسات إعلامية في سياقات توحي بالرغبة في الإقصاء أو الانتقام.

الأخطر ـ كما يشير السؤال البرلماني ـ هو الإيحاء باستعمال النفوذ للتأثير على القضاء، وجرّ رئاسة النيابة العامة إلى صراعات مهنية يفترض أن تُعالج بالأدوات المهنية والشفافية لا بالهواتف ولا بالحسابات الشخصية.

هذا النوع من الإيحاءات، حتى وإن لم تثبت قضائياً بعد، يكفي لخلق هزة ارتدادية داخل القطاع. فالتسجيلات ـ وفق القراءة التحليلية ـ تكشف عن فلسفة تدبير أكثر مما تكشف عن وقائع معزولة: فلسفة تقوم على منطق “تصنيف وتصفية” بدل منطق “تنظيم وتأهيل”، وعلى استعمال سلطة الدعم العمومي لتوجيه المشهد الصحافي بدل تحفيز تنوعه.

التامني… صوت سياسي يكسر الصمت

سؤال فاطمة الزهراء التامني لا يحمل فقط مضامين المساءلة، بل يعكس تحوّلاً في ما يشبه وعي سياسي متأخر بخطورة ترك القطاع في أيدي هيئات تفتقر أحياناً للمشروعية المهنية أو الأخلاقية.

من خلال سؤالها، تبدو النائبة وكأنها تقول إن الأزمة أعمق من التسجيلات: إنها أزمة تصور كامل لقيادة قطاع يلامس صميم الديمقراطية، لأن كل اختلال داخل المؤسسات الوصية يترجم مباشرة إلى اختلال في جودة المعلومة، في حرية الصحافي، وفي ثقة المواطن.

وزارة بنسعيد في قلب العاصفة

سؤال التامني يضع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وتحديداً الوزير المهدي بنسعيد، أمام مسؤولية سياسية مباشرة.

فاللجنة المؤقتة ليست جهة مستقلة عن الوزارة، بل جهاز تابع للقطاع الوصي، ما يجعل أي انحراف ـ إن ثبت ـ يمسّ الوزارة نفسها قبل أن يمسّ اللجنة.

المطلوب اليوم، وفق النائبة، ليس بلاغاً مطمئناً، بل:

  • تحقيق عاجل ومحايد يكشف الحقائق دون تجميل؛

  • ترتيب الجزاءات على كل ممارسة مسيئة أو استغلال للنفوذ؛

  • ووضع شبكة حماية للصحافيين والمهنيين من أي تصفية حسابات تتم تحت غطاء “تنظيم القطاع”.

السؤال الأكبر… من يحمي حرية الصحافة من حُماة الصحافة؟

القراءة العميقة للسؤال تكشف أن اللحظة الحالية ليست مجرد لحظة مساءلة إدارية، بل هي لحظة اختبار سياسي: هل يسمح المغرب باستمرار تدبير قطاع حساس بهذا القدر بآليات غير شفافة؟

وهل يمكن بناء بيئة إعلامية مستقلة في ظل مؤسسات تخضع بدورها لمنطق “الانتماء والتأثير” بدل منطق “المصلحة العامة”؟

إن ما جرى ـ سواء ثبتت تفاصيله أو تهاوت ـ يدل على ضرورة إعادة هندسة كاملة لطرق تدبير قطاع الصحافة. لجنة مؤقتة لا يمكن أن تبقى استثناءً دائماً، ولا يمكن أن تتحول إلى فضاء مغلق خارج الرقابة.

أزمة ثقة… وفرصة لإعادة البناء

القطاع الإعلامي المغربي يعيش اليوم على حافة ازدواجية خطيرة: من جهة، حاجة ملحّة إلى صحافة قوية تحمي الفضاء العام وتراقب السياسات العمومية؛ ومن جهة أخرى، رقابة بيروقراطية غير محصّنة من الانحراف، تهدد استقلالية الصحافيوتضعف المؤسسات الإعلامية المستقلة.

هذه الأزمة قد تكون، paradoxalement، فرصة لإعادة التفكير في نموذج تدبير القطاع. فالأدوار التي فشلت اللجنة المؤقتة في القيام بها كشفت أن مستقبل الصحافة المغربية لن يُبنى على لجان ظرفية، بل على حوكمة مؤسساتية حقيقية، مستقلة، خاضعة للمساءلة، وقادرة على حماية الصحافي بدل مراقبته.