الأمم المتحدة تُنهي مهام يوسف جديع في تندوف… خطوة تقنية أم إعادة ضبط كبرى لميزان الشفافية في المخيمات؟

0
266

لم يكن نهاية نونبر حدثًا عابرًا داخل أروقة الأمم المتحدة. فقرار إنهاء مهام الدبلوماسي الفلسطيني يوسف جديع كممثل للمنظمة في مخيمات تندوف بدا أشبه بصفارة إعلان عن مرحلة جديدة؛ مرحلة تُعيد فيها الأمم المتحدة ترتيب أوراقها في واحد من أعقد الملفات الإنسانية والسياسية في المنطقة المغاربية.

جديع، الذي حمل خبرته بين جنوب السودان وغزة وتشاد وليبيا واليمن، تلقّى رسالة رسمية تُعلمه بأن مهمته في تندوف وصلت إلى خط النهاية. رسالة تبدو في ظاهرها إدارية، لكنها في عمقها تعكس تحوّلًا في المنهج الأممي تجاه المخيمات الواقعة على الأراضي الجزائرية، تلك التي طالتها انتقادات متتالية حول غياب الشفافية، سوء توزيع المساعدات، وانعدام الرقابة الحقيقية على مسارات الدعم الإنساني.

إعادة هيكلة… أم إعادة حسابات؟

الأمم المتحدة تتحدث عن “إعادة هيكلة شاملة” تستهدف تحسين فعالية بعثة المينورسو وتعزيز أداء مكاتبها في المناطق التي تشرف عليها. غير أن توقيت القرار، وسياقه الإقليمي والدولي، يفتح الباب أمام قراءة أعمق.

فمنذ صدور القرار الأممي 2797، وما رافقه من اعتراف دولي متنامٍ بمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، دخل ملف الصحراء مرحلة جديدة. مرحلة تتطلب من الأمم المتحدة أن تُظهر قدرًا أعلى من الصرامة المهنية والرقابة الميدانية، خصوصًا في فضاء غير مفتوح مثل مخيمات تندوف، حيث تتداخل السياسة بالمساعدات، والإدارة الإنسانية بالاستغلال السياسي.

هنا، تبدو إعادة الهيكلة ليست مجرد تعديل إداري… بل إعادة ضبط للبوصلة.

مخيمات تندوف… المنطقة الرمادية التي بدأت تتضح ملامحها

لعل أكثر ما يقلق المجتمع الدولي اليوم هو تلك “المنطقة الرمادية” التي تحيط بالمخيمات منذ عقود. فهي مخيمات فوق الأرض الجزائرية… لكنها خارج القانون الجزائري. تحت إشراف الأمم المتحدة… لكن بسلطة مطلقة لـ”البوليساريو”. مليارات من المساعدات الدولية… لكن لا أحد يعرف بدقة أين تصل وكيف تُوزَّع.

منذ سنوات، يُحذّر المغرب، وتُحذّر منظمات أوروبية، وتُحذّر تقارير دولية من اختفاء جزء من المساعدات وتحوّلها نحو السوق السوداء. ومن هنا، يصبح تغيّر الوجوه في مواقع حساسة مثل مكتب الاتصال الأممي في تندوف خطوة تتجاوز الأشخاص لتلامس بنية الإشراف نفسه.

يوسف جديع… مسار دبلوماسي بين نار المخيمات وضباب السياسة

منذ يناير 2016، تولّى يوسف جديع رئاسة مكتب الاتصال في تندوف، قبل أن ينتقل إلى مواقع أعلى في بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS)، ثم يعود في دائرة المهام الخاصة بالمخيمات. شخص بنَفَس ميداني طويل، خبر الأزمات المعقدة، من الحروب الأهلية إلى نزاعات الانتخابات.

ورغم كفاءته المشهودة في مؤسسات مثل CARE International، إلا أنه كان يتحرك داخل فضاء شديد الحساسية، حيث كل خطوة تُقرأ سياسيًا، وكل معلومة تُعتبر مادة مشتعلة.

إنهاء مهمته اليوم لا يحمل أي طابع شخصي… بل يُشبه حركة شطرنج تُحرك فيها الأمم المتحدة قطعة لتفتح مجالًا جديدًا للعب.

ماذا بعد؟

قرار إنهاء مهمة جديع ليس سوى فصل أول في رواية أكبر تُكتب الآن بصمت داخل مكاتب نيويورك وجنيف. فالعالم يتغيّر، والملف يتحوّل، ومفهوم الرقابة الإنسانية لم يعد يحتمل التراخي.

السؤال الذي يفرض نفسه:

هل تعِدّ الأمم المتحدة الأرضية لمقاربة أكثر جرأة في مراقبة المخيمات؟
أم أنها فقط تُعيد ترتيب الواجهة دون المساس بجوهر الإشكال؟

ما يمكن قوله بثقة هو أن المرحلة المقبلة ستشهد تدقيقًا أعلى، وربما حضورًا أمميًا أكثر “يقظة” داخل تندوف، خاصة بعدما أصبح ملف الصحراء جزءًا من التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة.

والواضح أكثر… أن عصر الغموض في المخيمات بدأ يقترب من نهايته.