لقجع ووفد “دكار 2026”: حين تتحوّل الرياضة إلى منصة لإعادة هندسة الزعامة الإفريقية

0
184

في المشهد الرياضي الإفريقي، لم يعد مجرد اجتماع بين لجنتين تنظيميتين حدثًا بروتوكوليًا عابرًا. اللقاء الذي جمع يوم السبت 6 دجنبر 2025، بمركب محمد السادس لكرة القدم بالرباط، السيد فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ورئيس لجنة كأس إفريقيا للأمم، مع السيد مامادو دياغنا نداي، رئيس لجنة تنظيم الألعاب الأولمبية للشباب “دكار 2026″، يحمل أبعادًا تتجاوز التبادل التقني والاطلاع على جاهزية البنى التحتية.

فالحدث يندرج ضمن استراتيجية المغرب الهادئة ولكن الحازمة، لترسيخ مكانته كـ”العقل التنظيمي” الجديد في القارة الإفريقية، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى على مستوى القوة الرياضية والريادة المؤسسية.

الرياضة لغة دبلوماسية متوازية

قد يبدو الاجتماع في ظاهره مجرد تنسيق تقني، لكنه في الواقع رسالة دبلوماسية متقنة:

  • المغرب يقدم نفسه نموذجًا قابلاً للتصدير
    عرض لقجع حول استعداد المغرب لاحتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم لم يكن مجرد حصر لبيانات، بل نسخة متقدمة من هندسة التظاهرات القارية، تدمج بين البنية التحتية، الحوكمة، والخدمات اللوجستية، لتقدم نموذجًا يمكن للدول الإفريقية الاحتذاء به.

  • السنغال تبحث عن شريك موثوق
    زيارة رئيس لجنة “دكار 2026” جاءت في مرحلة حرجة، إذ تستعد السنغال لأول حدث أولمبي في تاريخها. الإعجاب الكبير بالجاهزية المغربية ليس مجاملة، بل اعتراف بأن المغرب يمتلك رأسمالًا تنظيميًا متراكمًا يجعل منه شريكًا حيويًا في القارة.

  • الرياضة جسر لتعميق التحالفات
    العلاقات المغربية ـ السنغالية تاريخية، لكن الرياضة تمنحها بعدًا جديدًا: التعاون الاستراتيجي في صناعة قوة إفريقية جديدة قادرة على قيادة الأحداث الكبرى بكفاءة واحترافية.

مركب محمد السادس: مختبر حلول إفريقية

جولة الوفد السنغالي داخل مرافق مركب محمد السادس لم تكن مجرد زيارة ميدانية. بل تحولت إلى مختبر تقني ومعرفي يعكس رؤية المغرب:

“المغرب لا يعرض ملاعب فقط… بل يعرض منهجية.”

البنية التحتية هنا ليست شعارًا فحسب، بل إطارًا متكاملًا للحوكمة، التكوين، وإدارة الفعاليات الكبرى. كل ملعب، كل مركز تدريبي، كل تجهيز لوجستي يروي قصة تجربة مغربية متراكمة، جاهزة للنقل والاستفادة من قبل شركاء أفارقة.

ورش العمل المشتركة: خطوة تقنية أم تأسيس تحالف؟

اتفاق الجانبين على برمجة ورشات عمل دورية يحمل بعدين متوازيين:

  • تقنيًا: تبادل الخبرة بين لجنتي “الكان” و”دكار 2026″، ضمان نقل المعرفة، وتفادي الأخطاء، وتعظيم أثر التجربة المغربية.

  • استراتيجيًا: تأسيس شبكة إفريقية رائدة في تنظيم التظاهرات الكبرى، يقودها دول تملك الإرادة والقدرة، وعلى رأسها المغرب والسنغال، ما يعكس تحول موازين القوة داخل المنظومة الرياضية الإفريقية.

قراءة تحليلية أوسع

يمكن قراءة هذا الحدث عبر ثلاثة أبعاد:

  1. التاريخي والاجتماعي: المغرب والسنغال شريكان يمتد بينهما تاريخ طويل من التعاون، والرياضة اليوم تمنح هذا التعاون بعدًا ملموسًا وعمليًا.

  2. القانوني والإداري: تنظيم البطولات الكبرى يتطلب التزامًا بالقوانين الدولية ومعايير السلامة، والتعاون بين اللجنتين نموذج لتبادل الممارسات المهنية بين الدول.

  3. الاقتصادي والاستثماري: القدرة على تنظيم الأحداث الكبرى ليست رفاهية، بل محرك اقتصادي واجتماعي يعزز السياحة، ويستقطب الاستثمارات، ويؤسس لرياضة احترافية مستدامة.

خاتمة: المغرب رائد بلا منازع؟

لقجع ووفد “دكار 2026” لم يلتقيا لمجرد الاطلاع على ملاعب أو تجهيزات، بل للتأكيد على أن المغرب يمتلك تجربة متراكمة يمكنها قيادة الرياضة الإفريقية نحو الاحترافية، والتنظيم الرصين، والاستدامة المؤسسية.

في ضوء ذلك، السؤال الذي يفرض نفسه: هل سيستمر المغرب في استثمار هذه الخبرة ليصبح مركز الثقل في إدارة الأحداث الكبرى بالقارة، أم أن التحديات السياسية والاقتصادية ستحد من هذا الزخم؟

الرياضة، مرة أخرى، تتحول من لعبة إلى منصة استراتيجية تعكس زعامة المغرب في إفريقيا، وتجعل من خبرته مرجعًا لا يمكن تجاوزه.

المغرب أمام البرازيل واسكتلندا: إعادة سيناريو 1998 في مونديال 2026