بنعلي تكشف عن مخطط إصلاح القطاع المعدني: نحو تعزيز السيادة الاقتصادية الوطنية وتنمية بشرية متوازنة

0
144

في قلب القطاع المعدني المغربي، تكمن اليوم دينامية متجددة تعكس استراتيجية متكاملة لتثمين الموارد الوطنية، وتعزيز العدالة المجالية، وخلق فرص شغل نوعية. الوزيرة ليلى بنعلي، في معرض ردها على أسئلة البرلمانيين، لم تكتف بعرض الأرقام والبيانات، بل رسمت خريطة تحولات أساسية في قطاع يساهم بـ10% من الناتج الداخلي الخام و20% من الصادرات الوطنية، ويوفر أكثر من 40 ألف فرصة عمل مباشرة. هذه الإحصاءات ليست مجرد أرقام، بل مؤشر على الإمكانيات الضخمة التي لا تزال بحاجة إلى استثمار أكثر ذكاءً وتخطيطاً استراتيجياً.

من السلامة إلى حقوق العمال: قلب الإصلاح الاجتماعي

ما يميز هذا المخطط الجديد هو وضع حياة العامل المنجمي وحقوقه في صميم السياسات الحكومية. فقد كان أول ملف اطلعت عليه الوزيرة بعد تعيينها هو حادث مأساوي أودى بحياة خمسة عمال، ما جعل السلامة المهنية أولوية لا يمكن تجاوزها. إعادة صياغة القانون 33.13 عبر مشروع القانون 72.24 يعكس هذا التوجه، من خلال اعتماد بطاقة العامل المنجمي وضمان حقوقه الاجتماعية، وهو ما يمثل تحولاً ثقافياً مؤسسياً في إدارة الموارد البشرية داخل القطاع.

الصناعة التحويلية والحكامة: إعادة هندسة القطاع المعدني

على الصعيد الاقتصادي، يركز المخطط على تعزيز الصناعة التحويلية وتنويع مصادر التمويل وتحسين الحكامة من خلال تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن إلى شركة مساهمة. خطوة تبدو تقنية، لكنها تحمل أبعاداً استراتيجية كبيرة: إذ توفر دينامية جديدة للبحث والاستكشاف، وتفتح الباب أمام شراكات أوسع، وتحول القطاع من مجرد استخراج الموارد إلى صناعة ذات قيمة مضافة مرتفعة.

النشاط المنجمي التقليدي: بين البعد الاجتماعي والتنمية المحلية

الاهتمام بالنشاط المنجمي التقليدي في مناطق تافيلالت وفجيج، وخصوصاً تدبير مؤسسة “كاديطاف”، يظهر بعداً اجتماعياً وثقافياً للسياسة الحكومية. إعادة هيكلة المؤسسة، وتحسين الإطار القانوني، وإحداث لجنة للتوجيه الاستراتيجي، لا يعكس فقط حرص الدولة على التنمية الاقتصادية، بل أيضاً على الحفاظ على الترابط المجتمعي في مناطق تعتمد تقليدياً على التعدين كمصدر للعيش.

الرقمية والشفافية: أدوات جديدة لإعادة تنظيم القطاع

إطلاق السجل المعدني الوطني الرقمي، المزمع في 2026، يمثل نقطة تحول نوعية في كيفية إدارة القطاع. أكثر من أربعين إجراءً إداريًا سيتم تبسيطها وتفعيلها، ما يعزز الشفافية ويتيح وصولاً أفضل إلى المعلومات، وهو ما يترجم روح العدالة المجالية التي شددت عليها التوجيهات الملكية السامية.

الربط بين السياسات المحلية والإستراتيجيات الإفريقية

إعلان “مراكش” الأسبوع الماضي ليس مجرد حدث رمزي، بل يعكس قدرة المغرب على استثمار موقعه الاستراتيجي في القارة الإفريقية لتثمين المواد المعدنية ذات القيمة العالية، وربط هذا الاستثمار بالتحول الصناعي واللوجيستي على المستوى الوطني، من ميناء الناظور إلى مشاريع الطرق والأنابيب. هذه الرؤية تعكس نضج التفكير الاستراتيجي الذي يربط بين التنمية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، والبنية التحتية المتقدمة.

نحو سيادة اقتصادية شاملة

الرسالة الأهم التي تحملها تصريحات الوزيرة بنعلي، تتجاوز الجانب القطاعي لتنسج أبعاداً متعددة للسيادة الاقتصادية الوطنية. من تعزيز الصناعة التحويلية، إلى تحسين ظروف عمل العمال، مروراً بتطوير البنيات التحتية، وإدماج التكنولوجيا الرقمية، يبدو أن المخطط الجديد يسعى لإعادة تعريف دور القطاع المعدني كمحرك رئيسي للتنمية الوطنية المستدامة.

إن ما تقدمه هذه الإصلاحات هو نموذج جديد لإدارة الموارد الوطنية، يوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويضع المغرب على طريق تحصين موارده الطبيعية، وتعزيز قدرته على خلق فرص الشغل، وضمان مشاركة فعّالة للفاعلين المحليين والإقليميين في ثمار هذا القطاع الحيوي.