في مشهدٍ رياضيٍّ يبدو بسيطاً في أرقامه، لكنه معقّد في خلفياته، حجز المنتخب الوطني المغربي بطاقة العبور إلى نصف نهائي كأس العرب بقطر بعد فوز صعب على سوريا بهدف نظيف في ملعب “خليفة الدولي”. فوز يُحسب تقنياً للمنتخب، لكنه يفتح الباب أمام قراءة أعمق: هل يعكس هذا الأداء هوية “أسود الأطلس” كما يتصورها الجمهور، أم أنّ الفريق لا يزال في طور البحث عن تماسكه الحقيقي؟
سوريا بلا خريبين… والمغرب مع شبح الغيابات
دخل المنتخب السوري مثقلاً بغياب نجمه عمر خريبين، ما فرض على المدرب إشراك محمود المواس لقيادة الهجوم. وعلى الجانب المغربي، لم يكن الوضع أفضل، إذ استمرت معاناة “الأسود” مع الغيابات التي أصبحت جزءاً من يوميات المنتخب.
منذ الدقائق الأولى، حاول المواس استغلال أي فراغ في الدفاع المغربي، لكن الحارس المهدي بنعبيد بدا متيقظاً. ومع مرور الوقت، بدأت ملامح التفوق المغربي تظهر عبر انتقالات سلسة وصناعة فرص من الجهة اليمنى بقيادة بولكسوت.
جرس إنذار مبكر… وخروج تيسودالي
في الدقيقة 19، تلقى المنتخب المغربي ضربة موجعة بإصابة طارق تيسودالي وخروجه اضطرارياً. ورغم التغيير الاضطراري، لم يتراجع الإيقاع الهجومي بشكل لافت، بل بدا أن الفريق يبحث عن بدائل تكتيكية أكثر من بحثه عن أسماء بعينها.
مطالبة سوريا بركلة جزاء في الدقيقة 28 ورفض الحكم بعد العودة لـ VAR أعادت النقاش المعتاد: أين ينتهي “التحكيم” وأين يبدأ “ذكاء اللاعبين” في افتعال الاحتكاكات أو إدارتها؟ سؤال مشروع لكنه يظل خارج الملعب، أما داخله فالصورة كانت تقول إن المنتخبين يلعبان على حدود الخطأ دون تجاوزه.
شوط أول… كثير من الحركة، قليل من النجاعة
واصل المغرب ضغطه، واقترب زحزوح في مناسبات من هز الشباك، لكن اللمسة الأخيرة كانت غائبة. انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي، لكنه كشف — لمن يقرأ أبعد من النتيجة — أن المنتخبين يخوضان مواجهة تكتيكية أكثر منها بدنية.
الشوط الثاني: السيطرة المغربية تتجسّد
مع بداية الجولة الثانية، بدت رغبة المغرب حاضرة بشكل أوضح. وليد أزارو كاد أن يكسر الصمت بهدف مبكر، لولا تدخل الدفاع السوري على خط المرمى. هنا يظهر سؤال آخر: هل بات المنتخب المغربي يعتمد أكثر على القوة الفردية للهجوم بدل البناء الجماعي؟
التغييرات الثلاثية للسكتيوي بعد الدقيقة 65 كانت محاولة لإعادة شحن النسق الهجومي. دخول الشويعر والمهديوي وبنتايك أعطى الفريق دينامية جديدة، لكن الحارس السوري إلياس هدايا كان في يوم كبير.
الهدف… ثم السؤال الأكبر
في الدقيقة 78، جاء الفرج عبر أزارو الذي استغل ارتداد الكرة بعد تسديدة الشويعر. هدف منطقي قياساً بالضغط المغربي، لكنه أيضاً يفتح باب التحليل: لماذا يحتاج المغرب كل هذا الجهد لتسجيل هدف واحد أمام دفاع منهك؟
بوغرين اقترب من إضافة الثاني، لكن هدايا واصل إنقاذ سوريا من خسارة أثقل. وفي الوقت بدل الضائع، طُرد محمد مفيد بعد تدخل خشن، ليكمل المغرب الدقائق الأخيرة بنقص عددي دون أن يؤثر ذلك على النتيجة.
ما بعد الفوز: ماذا نقرأ بين السطور؟
تأهل المغرب إلى نصف النهائي مستحق، لكن الأداء يفرض أسئلة مشروعة:
-
هل يعكس هذا الفوز الصورة الحقيقية للمنتخب؟
-
هل يحتاج الفريق إلى مراجعة منظوره الهجومي الذي يبدو بطيئاً في البناء وسريعاً في الضياع؟
-
هل ستكفي الظروف الحالية لعبور المربع الذهبي حيث ينتظر منافس أكثر قوة — الجزائر أو الإمارات؟


