جيل زد أمام القضاء.. أحكام مراكش تكشف أزمة أعمق من مجرد “عنف شبابي”

0
183

في اللحظة التي تُطفئ فيها الإنسانية شمعتَها السابعة والسبعين احتفاءً باليوم العالمي لحقوق الإنسان، كانت محكمة مراكش تكتب سرديتها الخاصة في علاقة الدولة بأصوات “جيل زد”، عبر أحكام طالت قاصرين شاركوا في احتجاجات قلعة السراغنة وآيت أورير. أحكام بدت في ظاهرها جزءًا من المسار القضائي العادي، لكنها في العمق تفتح بابًا واسعًا لأسئلة لا تنتهي حول معنى الاحتجاج اليوم، وحدود التفاعل الرسمي مع موجات الغضب الشبابي، وكيف يرى المغرب أبناءه حين يخرجون إلى الشارع بحثًا عن صوت أو فرصة أو أفق.

ففي تلك الليلة، أدانت المحكمة مجموعتين من القاصرين والشباب: 26 متهماً في الملف الأول، و6 آخرين في الملف الثاني. الأحكام تراوحت بين أربعة أشهر حبسا نافذا، وأحكام موقوفة التنفيذ، إضافة إلى عقوبة سنة ونصف نافذة في حق أحد المتهمين. أما في الملف الثاني، فقد تمت تبرئة اثنين من المتابعين، بينما سُلّم ثالث لوليه القانوني.

هذه الأرقام، مهما بدت تقنية، تخفي وراءها أسئلة أكبر من حدود الملف القضائي: هل نحن أمام موجة احتجاجات عفوية تحوّلت إلى عنف؟ أم أمام جيل يشعر بأن قنوات التعبير مغلقة، فيبحث عن متنفس خارج المساطر الرسمية؟ وهل ما زالت المقاربة الأمنية وحدها قادرة على احتواء ديناميات اجتماعية جديدة، لا تشبه ما سبقها من حركات شبابية؟

جيل جديد… ومنطق قديم

الوقائع التي بُنيت عليها الأحكام ليست بسيطة: عرقلة السير، تخريب منقولات، إهانة موظفين عموميين، واستعمال العنف أدى إلى جروح وإراقة دم. لكنها، في المقابل، ترتبط بسياق أوسع:
احتجاجات متفرقة يقودها شباب “جيل زد”، جيل وُلد في عالم مفتوح على الشبكات الاجتماعية، سريع الانفعال، متحرّر من لغة الخوف التقليدية، ومشحون بإحساس دائم بأن مؤسساته لا تراه ولا تصغي إليه.

ورغم تنوع التهم، يظل السؤال المركزي: هل هذه المحاكمات تعالج المشكلة أم تُرحّلها إلى المستقبل بشكل أكثر تعقيداً؟

بين القانون والواقع.. أين يقف المجتمع؟

لا يمكن إنكار حق الدولة في حماية الممتلكات العامة وضمان أمن الشوارع. لكن لا يمكن أيضاً تجاهل أن محاكمة العشرات من القاصرين في أسبوع واحد تكشف عن اختلال عميق في العلاقة بين المؤسسات والشباب.

هذه ليست مجرد “قضايا جنائية”، بل مؤشرات على فجوة اجتماعية تتسع، وعلى موجة غضب تحمل في طياتها رسائل سياسية واجتماعية، حتى لو لم تُنطق بصوت واضح.

وإذا كانت الأحكام قد صدرت، فإن النقاش الحقيقي يبدأ الآن:

  • ما الذي دفع هؤلاء القاصرين للنزول إلى الشارع؟

  • هل تمت معالجة الأسباب التي أشعلت الاحتجاجات؟

  • وهل تستوعب المؤسسات ضرورة الانتقال من تدبير أمني إلى تدبير اجتماعي وتواصلي؟

  • وكيف يمكن إعادة بناء الثقة في سياق يشعر فيه الشباب بأن مستقبلهم معلّق؟

خلاصة مفتوحة على احتمالات

الأحكام التي صدرت في مراكش قد تُغلق الملفات من الناحية القانونية، لكنها تفتح أبواباً كثيرة من حيث المعنى والسياق. فجيل “زد” ليس مجرد ظاهرة لحظية، بل واقع اجتماعي جديد، يتطلب أدوات قراءة جديدة، وسياسات تتجاوز منطق الإدانة والعقاب نحو فهم جذور الاحتقان.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل ستقرأ الدولة والقوى المجتمعية رسائل هذا الجيل بجدية، أم ستنتظر انفجار موجات أخرى من الغضب، قد تكون أشد وأعمق؟