في حديث مطول، كشف الحسن عبيابة، الوزير السابق المكلف بالثقافة والاتصال والشباب والرياضة، عن رؤيته العميقة لمستقبل الإعلام المغربي، مؤكداً أن إصلاح القطاع الصحفي لا يقل أهمية عن الإصلاح السياسي، وأن المجتمعات الديمقراطية لا يمكن أن تتقدم دون صحافة مستقلة ومتنوعة.
الإصلاح السياسي لا يكتمل دون إصلاح الإعلام
عبابة شدد على أن المغرب بدأ سلسلة من الإصلاحات السياسية استعداداً للمراحل المقبلة، خصوصاً بعد قرارات الأمم المتحدة في عام 2027، وما يرتبط بالاستعداد لتنزيل الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. في هذا الإطار، اعتبر عبابة أن إصلاح الصحافة أمر حيوي، إذ أنها الوسيلة الرئيسية التي تربط المجتمع بالمؤسسات، ويمر من خلالها النقاش العمومي اليومي حول كل ما يهم الوطن.
المجلس الوطني للصحافة: ملك للجميع وليس للصحفيين فقط
بحسب عبابة، المجلس الوطني للصحافة ليس ملكاً للصحفيين وحدهم، بل للمجتمع بأسره، لما له من تأثير على المواطنين والمؤسسات على حد سواء. واعتبر أن هذا الجانب يجب أن يُستحضر في أي عملية إصلاحية للقوانين الحالية، مع توسيع النقاش العمومي ليشمل جميع الفاعلين: الصحفيين والناشرين والتقنيين والمصورين.
الدعم المالي واستقلالية الصحافة
واعتبر عبابة أن الإعلام في المغرب قطاع اجتماعي أولاً، وأن أي محاولة لإصلاحه دون النظر في التمويل والدعم ستكون ناقصة. الدعم العمومي، بحسبه، لا يجب أن يُفرض بطريقة تهم طرفاً على حساب الآخر، بل يجب أن يكون عادلاً ويُخصص لجميع أنواع الصحف (كبرى، متوسطة، وجهوية)، لضمان استمرار التنوع والتعددية التي تشكل جوهر الديمقراطية.
تحديات المجلس الوطني للصحافة
انتقد الوزير السابق أداء المجلس منذ تأسيسه في 2018، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من إدارة نظام داخلي فعال، ما أدى إلى تراكم مشاكل وإضعاف مصداقيته. كما أشار إلى أن التحديات ليست فقط على مستوى القانون، بل على مستوى التوازن الداخلي بين الصحفيين والناشرين والفئات الأخرى، لضمان اتخاذ القرارات بصورة ديمقراطية ومتوازنة.
الديمقراطية الصحفية: بين الاستقلالية والمسؤولية
عبابة شدد على أن الصحافة لا تقتصر مهمتها على نقل الأخبار فقط، بل تمتد لتكون وسيلة دفاع عن المصالح العليا، لمواكبة المرحلة الوطنية، ولمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وأضاف أن الاستقلالية المالية والقانونية للصحافة يجب أن تكون مدعومة بقواعد واضحة تضمن ممارسة مهنية متوازنة، بعيداً عن المحاباة أو الإقصاء.
خلاصة: نحو إصلاح شامل ومتوازن
في النهاية، دعا عبابة إلى اعتماد مقاربة شاملة لإصلاح الإعلام، تراعي التوازن بين جميع الأطراف، وتضمن استقلالية الصحافة في مواردها وقيمها، مع الحفاظ على الإجماع الوطني، واستعداد القطاع الصحفي للمرحلة المقبلة بكل مسؤولية ومهنية. وهو بذلك يربط بين الإصلاح السياسي والإعلامي، مؤكداً أن نجاح الدولة في المرحلة القادمة مرتبط بقدرتها على دعم إعلام مستقل وفعّال.