«بين خطاب الإنجاز وأسئلة الحكامة: كرة القدم في المقدمة… والرياضات الأخرى في الظل – قراءة تحليلية لمناظرة البرلمان حول الرياضة المغربية»

0
178

لم تكن الجلسة التي احتضنها البرلمان المغربي، اليوم الخميس، حول تقييم الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2008-2020، مجرد موعد بروتوكولي لتعداد المنجزات، ولا تمرينًا خطابيًا عابرًا في الثناء على ما تحقق. لقد بدت، في عمقها، لحظة سياسية بامتياز، اختلط فيها التقييم بالمساءلة، واستُحضِر فيها الماضي لتبرير الحاضر، بينما ظلت أسئلة المستقبل معلّقة بين النص القانوني والواقع الميداني.

خطاب الإنجاز… حين تتكلم الدولة بلغة الرمزية

في مداخلته، حرص محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، على وضع كل ما تحقق في المنظومة الرياضية تحت مظلة العناية الملكية، باعتبارها المحرك الأساس لما سماه «التحولات الهيكلية والإنجازات التاريخية». استدعاء مناظرة الصخيرات لسنة 2008 لم يكن بريئًا؛ فهو يؤسس لسردية رسمية مفادها أن الإصلاح مسار متواصل، وأن ما نراه اليوم ليس سوى ثمرة مسار طويل بدأ منذ أزيد من عقد ونصف.

لغة الوزير كانت لغة أرقام ورموز: نصف نهائي مونديال قطر 2022، تتويج عالمي للفئات السنية، ذهب أولمبي باسم سفيان البقالي، إشعاع بارالمبي يُقدَّم كعنوان للريادة القارية. إنجازات حقيقية، لا يمكن إنكار وزنها الرمزي، لكنها في الوقت ذاته تُستعمل كدرع سياسي يُخفف من وطأة الأسئلة الحرجة حول ما لم يتحقق، وحول الرياضات التي ظلت خارج دائرة الضوء.

كرة القدم في الصدارة… وبقية الرياضات في الهامش

رغم الإشارات العابرة إلى الرياضات الأولمبية والبارالمبية، ظل منسوب كرة القدم طاغيًا في الخطاب، سواء من حيث الأمثلة أو من حيث الاستثمار الرمزي. هنا يطرح السؤال نفسه بقوة: هل نجح المغرب فعليًا في بناء منظومة رياضية متوازنة، أم أنه نجح أساسًا في صناعة نموذج كروي استثنائي تُعلّق عليه بقية الاختلالات؟

هذا السؤال ليس جديدًا، بل رافق تنزيل الاستراتيجية الوطنية للرياضة منذ بداياتها. فالرياضات الفردية، ورياضات القاعة، والفنون القتالية، كثيرًا ما وجدت نفسها رهينة ضعف الدعم، أو رهينة اختيارات إدارية متقلبة، رغم قدرتها على إنتاج الأبطال بأقل الإمكانيات.

البنيات التحتية: بين منطق التظاهرات ومنطق القرب

حين انتقل الوزير إلى الحديث عن البنيات التحتية، بدا الخطاب أكثر اطمئنانًا. ملاعب كبرى، منشآت بمعايير دولية، واستعداد لاستضافة كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. غير أن هذا السرد يفتح، بدوره، نقاشًا مسكوتًا عنه: إلى أي حد تخدم هذه الاستثمارات الضخمة النسيج الرياضي اليومي؟ وهل تُترجم فعليًا إلى تنمية رياضية قاعدية، أم تظل مرتبطة بمنطق التظاهرات الكبرى وصورة الدولة في الخارج؟

الإشارة إلى «ملاعب القرب» جاءت كجواب استباقي على هذا النقد، لكنها بقيت عامة، دون أرقام دقيقة أو تقييم موضوعي لنجاعة هذه السياسة، خاصة في العالم القروي والمناطق الهامشية.

الحكامة… الكلمة المفتاح التي تخفي التوتر

أكثر اللحظات دلالة في مداخلة برادة كانت تلك التي تحدث فيها عن الحكامة الجيدة، وعقود الأهداف، والتنسيق مع الجامعات الرياضية. هنا انتقل الخطاب من الاحتفاء إلى التلميح، ومن الثناء إلى التحذير الناعم. فحين تتكرر مفاهيم مثل «النجاعة» و«الأداء» و«المقاربة التعاقدية»، فهذا يعني ضمنيًا أن هناك اختلالات، وأن الثقة بين الوزارة وبعض الجامعات ليست في أفضل حالاتها.

ومع ذلك، تُخفت تحت لِباس الحكامة ونبرة الأداء العالية أمور لا يمكن تجاهلها. فبينما يتحدّث الخطاب الرسمي عن التنسيق الإستراتيجي وعقود الأهداف، تبرز على الأرض قصص مؤلمة تُثير أسئلة كبرى حول من يستفيد ومن يُهمّش داخل المنظومة الرياضية.

في هذا السياق، لا يمكن قراءة التوتر بين بعض الهيئات الإدارية والجامعات الرياضية خارج إطار الهواجس غير المعلنة، والتي تجاوزت التعاطي مع الملفات التقنية إلى ما يشبه استعراض القوة والهيمنة الرمزية. فبالرغم من استيفاء الجامعات المعنية للشروط القانونية المنصوص عليها في قانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، فإن بعض هذه الجامعات — وعلى رأسها الجامعة الملكية المغربية للجيوجيتسو البرازيلي والرياضات المشابهة — وجدت نفسها في مواجهة غير مبرّرة مع الإدارة الوصية، في خلافات لم ترتبط فقط بالجوانب الفنية، بل تمتد إلى قراءات ثقافية واجتماعية عن الهوية والانتماء داخل الحقل الرياضي. ما يزيد من حدة هذا الجدل أنه في بعض الروايات الشعبية والإعلامية، حُوّل هذا الصراع إلى سؤال أعمق حول ما إذا كانت الأصول الثقافية أو الاسم العائلي يمكن أن يتحوّل إلى عامل غير معلن في تحكيم ميزان الدعم والإسناد.

هذا الأمر لا يلغي أحقية الدولة في تنظيم وتسيير القطاع، لكنه يطرح بوضوح سؤالاً آخر مختلفاً: إلى أي حد يمكن أن تُستغل مفاهيم مثل الحكامة والرقابة لصالح أجندات غير معلنة، أو لتبرير مواقف إدارية تتحوّل — في الواقع الميداني — إلى عوائق أمام تنمية الرياضات الناشئة والكفاءات الفردية؟

القانون 30.09… الاعتراف المتأخر بحدود النص

اللافت في خطاب الوزير هو إقراره الصريح بالحاجة إلى تحيين القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة. هذا الاعتراف يحمل في طياته إدانة غير مباشرة لمرحلة كاملة، اعتُبر فيها هذا القانون إطارًا متقدمًا، قبل أن تكشف الممارسة عن هشاشته وحدود قدرته على مواكبة التحولات.

القانون، في صيغته الحالية، لم يحسم بما يكفي في مسألة استقلالية الجامعات، ولا في آليات المحاسبة، ولا في حماية التعدد الرياضي. لذلك فإن الدعوة إلى مراجعته ليست تقنية فقط، بل سياسية بامتياز، لأنها ستعيد توزيع الأدوار بين الدولة والفاعل الرياضي، وبين المركز والجهات.

الجهوية الرياضية: وعد مؤجل أم أفق جديد؟

حديث برادة عن الجهوية الرياضية، وإحداث مجالس جهوية وأقطاب للتميز، أعاد إلى الواجهة حلمًا قديمًا: نقل القرار الرياضي من الرباط إلى الجهات. غير أن هذا الحلم اصطدم، تاريخيًا، بمقاومة المركز، وبضعف الكفاءات الجهوية، وبغياب تصور مالي واضح.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل نحن أمام إرادة حقيقية لتقاسم السلطة الرياضية، أم أمام إعادة تدوير نفس الشعارات في قالب جديد؟

ما بين الخطاب والواقع

مناظرة البرلمان كشفت، بوضوح، أن الرياضة المغربية تقف عند مفترق طرق. خطاب رسمي مطمئن، يستند إلى إنجازات حقيقية، لكنه يتفادى الغوص العميق في أعطاب المنظومة. في المقابل، واقع ميداني تعيشه الجامعات، والمدربون، والرياضيون، حيث تختلط الطموحات بالإكراهات، وتضيع أحيانًا الحدود بين الإصلاح والتضييق.

الرهان اليوم ليس في مزيد من الخطب، بل في شجاعة الاعتراف بأن النهوض بالرياضة لا يُقاس فقط بعدد الكؤوس والميداليات، بل بمدى عدالة المنظومة، وتكافؤ الفرص داخلها، وقدرتها على احتضان كل الرياضات، لا فقط تلك التي تجلب الأضواء.