في كل مرة يحقق فيها المنتخب الوطني لكرة القدم إنجازاً لافتاً، يُسدل ستار كثيف على سؤال جوهري: هل نحن أمام منظومة رياضية سليمة، أم أمام استثناء اسمه كرة القدم؟
السؤال ليس ترفاً فكرياً، بل مفتاح لفهم مأزق رياضة وطنية ما زالت، بعد أكثر من عقد على دستور 2011 وقانون التربية البدنية والرياضة، عاجزة عن التحول إلى سياسة عمومية متماسكة.
لقد وُلد قانون الرياضة سنة 2011 محمّلاً بوعود كبرى: حكامة، استقلالية، احتراف، عدالة مجالية، وتكوين علمي. غير أن الواقع أفرغ النص من روحه. تعاقب على الوزارة وزراء كُثر، من بينهم شخصيات سياسية وازنة، بل حتى رئيس البرلمان الحالي، لكن النتيجة واحدة: قانون متقدم على الورق، ومعطّل في الممارسة.
هنا لا يتعلق الأمر بأسماء، بل بمنطق تدبير جعل من الرياضة ملحقاً سياسياً، لا قطاعاً استراتيجياً قائماً بذاته.
كرة القدم: النجاح الذي أخفى الفشل
لا يمكن إنكار ما تحقق في كرة القدم. إصلاحات هيكلية، استثمارات واضحة، رؤية ملكية دقيقة، وربط بين الحكامة والنتائج. تجربة أصبحت تُستدعى في الخطاب الرسمي كنموذج.
لكن المفارقة المؤلمة أن هذا النجاح تحوّل إلى غطاء لبقية الأعطاب. أكثر من 25 جامعة رياضية بلا مراكز نخبة. رياضات تعيش على الهامش. مواهب تُهدر في القرى والهوامش. وعدالة مجالية غائبة. وكأن الدولة قررت – من حيث لا تعلن – أن الاستثمار في رياضة واحدة يكفي لصناعة صورة رياضية كاملة.
هنا يصبح السؤال مشروعاً: هل نملك سياسة رياضية، أم سياسة تواصل رياضي؟
القانون… حين يُفرغ من السياسة العمومية
ينص دستور 2011 بوضوح على الحق في ممارسة الرياضة، ويحمّل الدولة مسؤولية تأطيره وضمانه. كما جاءت الاستراتيجية الوطنية 2008–2020 بأهداف طموحة.
لكن ما كشفته تقارير التقييم البرلماني، والمنتديات، وحتى مداخلات المسؤولين أنفسهم، هو فجوة عميقة بين الخطاب والممارسة.
الحكامة ضعيفة، التكوين هش، والقرار غالباً ما يُصاغ بمنطق التوازنات لا بمنطق الكفاءة.
وقد كان الصحفي والخبير الرياضي جمال السوسي من الأصوات القليلة التي دقّت ناقوس الخطر مبكراً، محذراً من تسييس الرياضة ومن تحويل الجامعات إلى فضاءات نفوذ بدل أن تكون مؤسسات علمية. لكن كما يحدث غالباً، لم يُصغَ للتحذير إلا بعد أن صار واقعاً.
بين خطاب الإنجاز واختبار الحكامة: ماذا يعيق النهوض الحقيقي بالرياضة المغربية؟


