ما الذي لا تقوله إشادة السفير الامكي عن الرياضة المغربية؟أين موقع الجيوجيتسو ورياضات القتال؟

0
108

في ظاهرها، تبدو تغريدة السفير الأمريكي بالمغرب ديوك بوكان تمرينًا دبلوماسيًا كلاسيكيًا في المجاملة الناعمة: تهنئة، إشادة، وربط ذكي بين حدث رياضي قاري وبين رهانات “القوة الناعمة”. غير أن القراءة المتأنية للغة المستعملة، ولما تم اختياره بعناية وما تم إغفاله بالقدر نفسه، تفتح الباب أمام أسئلة أعمق تتجاوز كرة القدم كرياضة، وتمس موقع الرياضة في المشروع الرمزي والسيادي للدولة.

أول ما يلفت الانتباه هو مركزية حفل الافتتاح في الخطاب، لا المنافسات ولا النتائج ولا المنتخبات. التركيز هنا ليس على اللعبة، بل على العرض، على الصورة، على القدرة على “التحويل”: تحويل تظاهرة رياضية إلى “منصة للتقارب الثقافي”. هذا الاختيار اللغوي ليس بريئًا، لأنه ينسجم مع تصور أمريكي – وغربي عمومًا – للرياضة بوصفها أداة تواصل دولي، لا مجالًا للسيادة الرياضية أو لبناء مدارس وطنية في تخصصات بعينها. المغرب، في هذا المنطق، يُقدَّم كفاعل مبدع في الإخراج والاحتفاء، أكثر منه كقوة مُنتِجة لنماذج رياضية جديدة.

ثانيًا، حين يستعمل السفير مفردات مثل “القوة الناعمة” و“الحضور القاري والدولي”، فإنه يضع الرياضة في خانة السياسة الرمزية، لا في خانة الاختيار الاستراتيجي. وهنا يبرز السؤال غير المصرّح به: هل تُختزل الرياضة الوطنية في كرة القدم وحدها باعتبارها اللغة العالمية الأكثر قابلية للتوظيف الدبلوماسي؟ أم أن هناك مجالات رياضية أخرى، أقل جماهيرية لكن أكثر قدرة على بناء ريادة نوعية، لا تزال خارج دائرة الرعاية والاهتمام الرمزي الأعلى؟

الجيوجيتسو والرياضات القتالية: بين التهميش والفرص الضائعة

في خضم الإشادات الدبلوماسية المتكررة بالرياضة المغربية، يبرز غياب لافت لأي إشارة إلى رياضات قتالية حديثة مثل الجيوجيتسو البرازيلي وفنون القتال المختلطة. هذا الغياب لا يبدو عابرًا، خاصة إذا ما قورن بما يحدث في عدد من دول الخليج، حيث تحولت هذه الرياضات إلى رهان سيادي وثقافي وإعلامي، وأداة من أدوات التنافس الناعم على الزعامة الرمزية إقليميًا ودوليًا.

هناك، لم تُترك الفنون القتالية لمنطق السوق أو الهواية، بل أُدرجت ضمن مشاريع مدعومة من أعلى هرم السلطة، بوصفها وسيلة لبناء صورة دولة حديثة، منفتحة، وقادرة على التأثير في ثقافة الشباب عالميًا.

على النقيض من ذلك، تبدو المفارقة المغربية أكثر حدة. فالمغرب يمتلك رأسمالًا بشريًا ورمزيًا مهمًا في هذا المجال: كفاءات تقنية، أبطال ميدانيون، ومسارًا تاريخيًا في الفنون القتالية، فضلًا عن موقع جغرافي وثقافي يؤهله للعب دور الجسر بين إفريقيا، أوروبا، والعالم العربي. ومع ذلك، لا تحضر هذه الرياضات في الخطاب الرسمي بنفس الزخم الذي تحظى به كرة القدم، ولا تُستثمر ضمن تصور شامل للرياضة كأداة لتنويع القوة الناعمة بدل اختزالها في نموذج واحد.

فعليًا، رياضات مثل الجيوجيتسو، بما فيها الجيوجيتسو البرازيلي، تتمتع بحضور حقيقي في المغرب، وتستقطب ممارسين ومواهب محلية واعدة. غير أنها غالبًا ما تظل في الظل الإعلامي والمؤسساتي، مقارنة بالرياضات الجماعية أو تلك التي تحظى بتغطية واسعة، رغم ما تحمله من إمكانات رياضية وتربوية كبيرة.

وتكمن قيمة هذه الرياضات في بعدها المركب؛ فهي لا تقتصر على التنافس البدني، بل تُنمّي الانضباط الذاتي، والاحترام، والتفكير الاستراتيجي، والتحمل الذهني. وهي عناصر يمكن إدماجها ضمن مشاريع تنموية أوسع تستهدف الشباب. غير أن غياب الاهتمام المؤسساتي يحوّل هذه الإمكانات إلى فرص مهدورة، ويُنتج فجوة واضحة بين الخطاب الاحتفائي والواقع العملي.

ومن دون سياسات عمومية واضحة لدعم البنى التحتية، وتأطير التدريب، وتوفير التمويل المستدام، تظل هذه الرياضات — التي يمكن أن تسهم في تحسين صورة المغرب دوليًا — تُعامل كضيف ثانوي في سجل الرياضة الوطنية، لا كرافعة استراتيجية.

بين الدبلوماسية والواقع: سؤال الحكامة الرياضية

الاحتفاء الدولي، سواء بالنتائج أو بالزيارات والتصريحات الدبلوماسية، لا يحجب حقيقة أن الرياضة المغربية تواجه تحديات بنيوية عميقة، تتعلق بالحكامة، والتمويل، والبنية التحتية، ودعم المواهب في الرياضات الأقل انتشارًا. وتشير دراسات أكاديمية إلى وجود ثغرات في الإطار القانوني والمؤسسي المنظم للقطاع الرياضي، ما يعيق تطويره بشكل متوازن وشامل.

وتتجلى هذه الثغرات أساسًا في:

  • ضعف التمويل المنتظم للرياضات غير الشعبية؛

  • نقص برامج التكوين المبكر والمتخصص للمواهب الشابة؛

  • محدودية الإطار القانوني لحماية الرياضيين وتنظيم المنافسات وفق معايير مهنية.

أسئلة مفتوحة للنقاش

أمام هذا الواقع، تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها: هل يمكن اعتبار الإطراء الدولي مؤشرًا حقيقيًا على تقدم الرياضة المغربية، أم أنه جزء من خطاب دبلوماسي أوسع؟

كيف يمكن لرياضات قتالية مثل الجيوجيتسو أن تنتقل من هامش التغطية إلى محرك تنمية ثقافية ورياضية؟

وما الدور الذي ينبغي أن تضطلع به المؤسسات الرياضية والتشريعات لضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الألعاب، بدل الاقتصار على الأكثر جذبًا إعلاميًا؟

تغريدة السفير، من هذه الزاوية، لا تقول إن المغرب لا يهتم إلا بكرة القدم، لكنها تعكس صورة المغرب كما تُرى من الخارج: بلد ناجح في التنظيم، متقن للعرض، قوي في حدث كروي جامع. لكنها لا تطرح – وربما لا يعنيها أن تطرح – سؤال: ماذا بعد كرة القدم؟ وأي رياضات يمكن أن تتحول إلى علامات سيادية مغربية مميزة في المستقبل؟

الإشارة إلى استعداد الولايات المتحدة لاحتضان مونديال 2026، وربطها بالرغبة في تبادل الخبرات، تضيف بعدًا آخر للخطاب: التعاون هنا تقني وتدبيري بالأساس، لا فكري ولا استراتيجي. أي أن النقاش يدور حول “كيف ننظم؟” لا “ماذا نختار؟” ولا “أي رياضات نرعاها؟” ولا “أي صورة نريد أن نصدرها عن أنفسنا؟”.

ومن هنا، يظل السؤال مفتوحًا، دون حاجة إلى اتهام أو نوايا مسبقة: هل يمكن للرعاية الملكية، التي منحت كرة القدم دفعة تاريخية وحولتها إلى مشروع وطني جامع، أن تلتفت بالمنطق نفسه إلى رياضات أخرى، قادرة على خلق إشعاع مختلف، أكثر تخصصًا، لكنه لا يقل تأثيرًا؟

وهل يملك المغرب الجرأة الاستراتيجية للانتقال من منطق “الحدث الكبير” إلى منطق “الريادة النوعية” في مجالات رياضية جديدة، قبل أن تُحتكر رمزيًا وإعلاميًا من قبل غيره؟

تغريدة واحدة، بلغة محسوبة، تكفي أحيانًا لطرح أسئلة أكبر من مضمونها الظاهر. والجواب، كما هو الحال دائمًا في قضايا من هذا النوع، لا يُكتب في منصة “إكس”، بل في اختيارات هادئة، طويلة النفس، تتجاوز منطق الاحتفال إلى منطق الرؤية.

خلاصة

إن النجاحات الرسمية والتحيات الدبلوماسية تمنح صورة إيجابية عن الرياضة المغربية، لكنها لا تكشف بالضرورة عن التحديات العميقة التي تواجه بنيتها. وتبقى رياضات مثل الجيوجيتسو والفنون القتالية نموذجًا دالًا على هذه المفارقة: إمكانات كبيرة مقابل استثمار محدود، ما يستدعي انتقالًا حقيقيًا من منطق الإشادة إلى منطق السياسات العمومية الجريئة والداعمة.