أصبح التسول في المغرب مهنة قائمةً بذاتها، تدرّ الكثير من الدخل على أصحابها، وتخضع لنظامٍ صارم من أشخاص مهمتهم تنظيم الولوج إلى الميدان في الشوارع والأزقة.خلال العشرين سنةً الماضية، طرأ تغيرٌ جذري على مفهوم التسول في المغرب، إذ لم يعد يقتصر على ذوي الوضعية الاجتماعية الهشة، ممن لا يجدون سبيلاً آخر للبقاء على قيد الحياة غير مدّ يدهم للمارة، طمعاً في الحصول على بضعة دراهم تغطي على الأقل مصاريف أكلهم وشربهم.بل أصبح الآن وسيلةً لكسب المال وجمع الثروة بالنسبة للكثيرين، دون أن ننسى أساليبَ الخداع التي يستعملونها لتحقيق أرباحٍ قد تصل لدى البعض إلى حوالي 500 درهمٍ في اليوم، بين 50 و55 دولاراً أمريكاً، وفق دراسات.
فقد شهدت الأوساط المغربية حالة من الصدمة، بعد تكشف حقائق حول قضية السيدة الثرية التي تم ضبطها وهي تتسول في منطقة أورير في أكادير.
أوقفت عناصر الشرطة بمدينة أكادير بمركز أورير امرأة تمتهن التسول؛ ذلك أنه بعد مراقبتها، تبين أنها تمتلك سيارة “رفيعة” تتنقل بها بين المساجد… ولا تكلف نفسها في ذلك، سوى تغيير ملابسها الجميلة بأسمال بالية حتى تستعطف المصلين.
وبحسب التحقيقات فإن السيدة كانت تعيش حالة ترف كبيرة، بصحبة أمها وأبنائها بشقتها الفخمة وسط منطقة أغادير.
وفي الفترة الأخيرة، لم تستطيع السيدة مجاراة نفس المستوى المعيشي الذي اعتادت عليها مع أسرتها. إذا كنت تقطن في العاصمة الرباط، يكفي أن تخرجَ من بيتك لتقوم بجولة وستصادف في طريقك الكثير من المتسولين والمتسولات، على جنبات الطرق، الأزقة، قرب البنوك والمساجد، في محطات الترامواي، بل حتى المقاهي يدخلها متسولون يجوبون الطاولاتِ للحصول على بعض الدراهم.
كشف تقريرٌ تلفزيوني أعدته قناة “العربي”، أن المغرب يتربع على عرش الدول العربية من حيث عدد المتسولين بأكثر من 195 ألف متسولٍ، واحتلت جمهورية مصر الرتبة الثانية بـ41 ألفَ متسولٍ، رَغم تجاوزها المغرب من حيث الكثافة السكانية بأزيد من 60 مليون نسمة، فيما جاءت الجزائر ثالثةً بـ11 ألف متسولٍ. هذه الأرقام، التي تُظهِرُ أن المغرب أقلّ دولةٍ من حيث عدد السكان، وتضم أكبر عدد من المتسولين، لم تفاجئ المغاربة مُطلقاً.
مشهدٌ آخر من مظاهر استفحال التسول وانحرافها يتمثل في أولئك الشباب الذين لا يجدون أدنى حرجٍ في التسول، رغم أنهم في كامل قواهم البدنية ولكل منهم بنيةٌ جسمانية قوية! أصبح المارة يصادفون هذا الصنف من المتسولين بكثرة خلال السنوات الأخيرة في العاصمة الرباط وجميع المدن السياحية، ولعل ما يميزهم إصرارهم على الحصول على قطع نقدية من الناس بأية طريقة. فإذا مررت قربَه، سيخاطبك بقاموسٍ شبابي مستوحَى من اللغة الدارجة من قبيل: “صَاحْبي، صدِيقي، عْشِيرِي، تْعَاونْ معَ خُوكْ”، لكنك إن تجاهلته، لن يتركك تذهب، بل سيُواصل وسيتبعك بضعة أمتار، وقد يصل الأمر أحياناً إلى محاولة إيقافك عنوة، أما إذا كنتِ فتاة، فإنك ستجدين نفسك حتماً في موقفٍ صعب، فمعظم هؤلاء الشباب يركزون على الفتيات أكثر من الشبان، لأنهم يعتمدون على عنصر الخوف لدى الفتاة، بالتالي القليل من الإصرار، سيجعلها في الأخير تمنحه ولو درهماً كي يتركها لحالها. لكن في مراتٍ كثيرة، تتعرض الفتيات للتحرش من طرف هؤلاء الشباب، وفي الغالب يكون عن طريق استعمال ألفاظٍ تحمل في طياتها إيحاءاتٍ جنسيةً لكل واحدة رفضت أن تخضع وتمنحه ما يريده رغم محاولاته المتكررة.
قصص مثل هذه، تتداولها الألسن على نحو واسع… بعض النُدّل في المقاهي دأبوا للحاجة على استبدال الأوراق النقدية بالقطع المعدنية التي يأتي بها المتسولون، وإن سألتهم؛ أكدوا لك أن بعض المتسولين تصل أرباحهم إلى 500 درهم في اليوم الواحد.
في الواقع، يؤكد علم الاجتماع أن التسول طريق يسلكها الشخص تحت وطأة العوز، مع أن هذه ليست بقاعدة، وما إن يحصل على بعض الربح، حتى يبدأ في اتخاذ الأمر كمهنة… في البدء، يشعر ببعض الاستحياء إذ يأتي فعل التسول أمام الملأ، ثم سرعان ما يشعر بأن العوز رأسماله.
بعض التقارير تشير إلى أن المتسول قد لا يكون فقيرا، كما أن هيأته لا تبدي عاهة ولا مرضا. لهذا، يلجأ إلى متعهدين يضمنون له أطفالا أو عجزة، يستخدمهم في التسول، على أن يحصل المتعهد على فائدة ما.
التسول جريمة في المغرب، وهي منظمة في باب الجنايات والجنح ضد الأمن العام، من الفصل 326 إلى الفصل 333 من القانون الجنائي المغربي. لكن المشرع لم يعرفه وترك ذلك للفقه والقضاء، فيما أشار إلى مجموع الأفعال التي يعد بها جريمة.
في الفصل 326 مثلا، كل من لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأي وسيلة مشروعة، ولكنه تعود على ممارسة التسول في أي مكان كان، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر.
وفي بعض الحالات، كما يفردها الفصل 327، يمكن أن تصل العقوبة إلى سنة حبسا، ولو كان المتسول ذا عاهة أو معدما، إذا هدد أو “تظاهر بالمرض أو ادعى عاهة”، أو استصحب طفلا من غير فروعه، أو دخل مسكنا دون إذن مالكه أو شاغره.
لكن البعض يرى أن هذا النص فيه بعض من التناقض؛ إذ قال المشرع إنه يُعاقب كل متسول ولو به عاهة، ثم أتى على ذكر “التظاهر بالمرض وادعاء العاهة” كحالة ترفع العقوبة.
المؤكد أن التسول وإن كان يساءل جنائيا، إلا أن النصوص التي تنظمه كجريمة، وفق بعض القانونيين، قد تكون ولدت “ميتة” في ظل ارتفاع أعداد المتسولين، وندرة القضايا ذات الصلة بالتسول التي تعرض على القضاء.