الكاتب: أمين حلي
إن المتأمل لمشهد الحركة الاحتجاجية والفعل النضالي اليوم، يتضح له جليا الغياب شبه الكلي للنقابات الكلاسيكية على الملفات الأكثر سخونة والتي تعتبر مواجهة مباشرة حامية الوطيس بين الدولة والطبقة العاملة والتي تسثأتر بتتبع واهتمام من طرف الرأي العام الوطني.
إن من يتسيد المشهد النضالي اليوم، ويهيمن عليه بالطول والعرض، هي التنسيقيات الوطنية. هذا دون إغفال تناسل العديد من النقابات المستقلة التي تمثل قطاعات حيوية بالبلاد، آخرها النقابة المستقلة لموظفي وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي وقبلها النقابة الوطنية المستقلة لقطاع التعاون الوطني في تجسيد واضح لكسر أغلال ومعيقات المركزيات النقابية المعتمدة في تدبيرها على منهجية الشيخ والمريد. بالعودة للتنسيقيات، فلنا في تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وتنسيقية الممرضين مثالا، فقد بات لهاته التنسيقيات زخم جماهيري وتعاطف طبقي غير معهود نتيجة خطابها العقلاني البعيد عن الغوغائية ومطالبها المشروعة، كما أنها تعتمد ديمقراطية داخلية، ما يسمح ببروز طاقات شابة في الحقل النضالي وما لذلك من حماسة ومواكبة لروح وفكر العصر.
الحماسة التي لا يمكن أن تجدها اليوم في النقابات الكلاسيكية التي تقتصر في الوقت الراهن على لعب دور الكومبارس في مشهد كان ينبغي أن تلعب فيه دور البطولة، كل هذا ليس من فراغ طبعا، بل تحصيل حاصل لأسباب عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر البيروقراطية الداخلية التي أرهقت كاهلها وسيطرة الشيوخ، كما لو كان الأمر يتعلق بالزوايا الصوفية، هذا بالإضافة لغياب ديمقراطية داخلية واعتماد أسلوب كبح جماح الطاقات الشابة التي تنشد التغيير على اعتبار تقدمهم أمام الشيوخ، يعتبر في عرفهم الكلاسيكي من أشد أنواع العقوق النضالي؛ هذا دون نسيان مفعول حلاوة المناصب والكراسي الوثيرة لجلسات الصالونات الفخمة بالإضافة لمبالغ الدعم المالي التي تغدق عليهم به الدولة.
كل هاته العوامل وما خفي كان أعظم، جعل النقابات الكلاسيكية تفقد البوصلة وتهرول اليوم للتشبت بأهذاب الحركة الاحتجاجية قصد الركمجة وإثبات الوجود الذي لم يعد يقتصر إلا على بيانات أسبوعية أو مناسباتية تتحدث بلسان عمرو موسى من شجب واستنكار و تنديد، بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ حالها كحال من يأكل مع الذئب و يبكي مع الراعي.
إن مغرب اليوم، لا يمكن أن يبقى رهين عقلية أمس، رهين أشخاص شاخت أفكارهم، فلكل زمن رجالاته، ولكل ظرفية آلياتها، وقد تبين بالملموس أنه لا يمكن الاعتماد على هاته النقابات التي بتشخيص بسيط يتضح أنها تعيش مرحلة الموت السريري نتيجة تراكم أخطائها في حق الطبقة العاملة، كما تراكم ثروات الجاثمين على رأس هرمها المقلوب؛ وكما قيل “فاتكم القطار”.
قد صار موقف هاته النقابات الكلاسيكية ضعيف أمام الجميع وقد سقطت ورقة التوت عن عوراتهم، فالطبقة العاملة أصبحت بغير حاجة لعبئ يثقل كاهلها كما أن الدولة كذلك بحاجة لمخاطب رسمي كما جاء في دستور المملكة قوي وفعال، ليس لمخاطب صوري أصابه من الوهن والخرف ما أصابه، وأضحى لا يمثل إلا نفس وأهواء من يتحكمون في دواليب كواليسه.
(*) أمين مال اتحاد النقابات المستقلة بالمغرب.