بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” نداءً مقلقًا يحذر من التدهور المتسارع لحرية الصحافة على المستوى العالمي. فالحرية التي اعتُبرت لعقود ركيزة للديمقراطيات، “أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى”، كما جاء في الرسالة المفتوحة التي رافقت تصنيف المنظمة العالمي لسنة 2025.
تقرير هذا العام لم يحمل مفاجآت سارّة. المؤشر الاقتصادي، وهو أحد أبرز معايير التصنيف، سجل انخفاضًا حادًا، ما يعكس هشاشة الوضع المالي للمؤسسات الإعلامية المستقلة وتراجع قدرتها على مقاومة الضغوط الاقتصادية والسياسية. فالمشهد الإعلامي لم يعد يعاني فقط من الرقابة المباشرة والتضييق، بل من “التجويع المالي” الممنهج، الذي يدفع العديد من وسائل الإعلام إلى الإغلاق أو الارتهان.
هل أصبح الصحفي هدفًا مشروعًا في زمن النزاعات؟
الرسالة أثارت سؤالًا محوريًا: هل تحوّل الصحفي إلى هدف في سياقات النزاع والصراع المسلح؟ تؤكد “مراسلون بلا حدود” أنها لم تعد تكتفي بتوثيق الانتهاكات، بل باتت تتدخل ميدانيًا لحماية الصحفيين وتقديم الدعم لهم في مناطق النزاع، مما يعكس حجم التهديدات التي يتعرض لها الإعلاميون الذين يخاطرون بحياتهم من أجل نقل الحقيقة.
حين تصبح التبرعات فعل مقاومة
في مفارقة لافتة، تزامن التحذير من تهديد حرية الصحافة مع دعوة من المنظمة لدعمها ماليًا عبر التبرعات. فالتمويل لم يعد مجرد وسيلة للاستمرارية، بل “فعل مقاومة”، كما تصفه RSF، يرمز إلى الاصطفاف إلى جانب الحقيقة في وجه حملات التضليل والدعاية الموجهة.
السياق الدولي: تمدد السلطويات وتآكل الحريات
توقيت هذه الرسالة لا ينفصل عن تحولات عالمية عميقة. فحتى الدول التي طالما اعتُبرت نماذج ديمقراطية أصبحت تشهد تراجعات مقلقة في مؤشرات حرية التعبير، وسط تصاعد الخطابات الشعبوية، وتحول المعلومات إلى سلاح في الحروب الجيوسياسية. لم تعد حرية الصحافة مهددة فقط في الدول السلطوية، بل حتى داخل الأنظمة الليبرالية نفسها.
ويبقى السؤال الجوهري مطروحًا: من يراقب ما تبقى من حرية الصحافة؟ وهل يكفي التبرع لحمايتها من الانهيار؟
حرية الصحافة في المنطقة المغاربية: بين خطاب الإصلاح وممارسة الانكفاء
في العالم المغاربي، تبدو حرية الصحافة عالقة بين نوايا الإصلاح والتوجس العميق من الإعلام الاستقصائي المستقل. ففي المغرب، ورغم وجود مساحة نسبية للتعبير، يواجه الصحفيون ضغوطًا متزايدة تتراوح بين الملاحقات القضائية والتشهير الإعلامي. أما في الجزائر، فقد أصبحت حرية الصحافة ملفًا أمنيًا معقّدًا، لا سيما بعد حراك 2019، حيث تصاعدت القيود وتقلصت المساحات الحرة. في تونس، تعيش الصحافة انتكاسة واضحة بعد سنوات من الحراك الثوري، مع عودة خطاب الرقابة والقيود المتزايدة.
تطرح هذه المؤشرات سؤالًا مصيريًا في المنطقة: هل نحن بصدد تحصين حرية الصحافة كدعامة أساسية للديمقراطية؟ أم أننا نعيش مرحلة إعادة هندسة إعلامية تُبرر باسم “السيادة الوطنية”؟
وسط هذا المشهد المعقد، تصبح الصحافة المهنية والمستقلة ليست فقط ضرورة حقوقية، بل رهانًا استراتيجيًا لاستعادة ثقة المواطن في مؤسسات دولته، خاصة في منطقة تتقاطع فيها الأزمات السياسية والاجتماعية والاختراقات الإقليمية.