أمير المؤمنين يترأس اليوم الجمعة الدرس الأول من “الدروس الحسنية” الرمضانية بالقصر الملكي العامر

0
184

يترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس،حفظه الله ورعاه، مساء اليوم الجمعة 04 رمضان 1445 هـ موافق 15مارس 2024 م، بالقصر الملكي العامر بمدينة الرباط، الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، والذي سيلقيه بين يدي جلالته، أعزه الله، السيد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وسيبث الدرس الديني مباشرة على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزة ابتداء من الساعة الرابعة والنصف مساء.

وتعتبر “الدروس الحسنية” ثاني وسائل الدبلوماسية الرمضانية، تظهر في حرص المملكة المغربية الشريفة على تنظيم محاضرات تعرف باسم “الدروس الحسنية”، منذ أكثر من نصف قرن، عبر استضافة علماء وفقهاء من حول العالم، لمناقشة قضايا الدين ومشاكل الأمة.

وتمثل “الدروس الحسنية”، التي سُميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك الراحل الحسن الثاني، بحسب مفكرين مغربيين، “سُنة” مغربية تشكل نافذة للتواصل مع علماء الأمة، وفرصة للطبقة الحاكمة للتكوين الديني والشرعي.

وأطلق الملك الراحل الحسن الثاني هذه الدروس، عام 1963، وحافظ عليها الملك محمد السادس، وتقام في القصر الملكي بالعاصمة الرباط، وأحيانا تقام في مدن أخرى.

“الدروس الحسنية” تتميز أيضا بأنها فتحت أبوابها أمام كبار العلماء، باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، سنية أو شيعية، كما فتحت الباب أيضا أمام مشايخ الصوفية.

لذا فقد اعتلى منبرها علماء وشيوخ مثل أبو الأعلى المودودي (الهند)، محمد متولي الشعراوي ويوسف القرضاوي (مصر)، محمد سعيد البوطي (سوريا)، أحمد الريسوني (المغرب)، والزعيم الشيعي موسى الصدر (لبنان).

وعند حضور الملك محمد السادس، وبعد أن يلقي تحيته على الضيوف، يتقدم أحد العلماء لإلقاء درسه أمامه في مدة تتراوح بين 50 و60 دقيقة، وينقل هذا الدرس عبر أثير الإذاعة والتلفزيون مباشرة.

أمير المؤمنين يترأس الدرس السابع من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية – ماپ  إكسپريس

مجالس رمضانية

في مقال له “الدروس السلطانية أصالتها ومميزاتها”، يقول مؤرخ المغرب، عبد الحق المريني إن “فكرة المجالس العلمية هي فكرة قديمة في تاريخ الدولة الإسلامية، وقد برزت في المغرب في العهد المرابطي والموحدي، وكان يطلق عليها مجالس الفقهاء، ولم يطلق عليها “المجالس العلمية” إلا في العهد المريني ثم السعدي”.

ويضيف المصدر ذاته في المقال المنشور على موقع “ميثاق الرابطة” (صحيفة إلكترونية تصدر عن الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب) أنه “في العهد العلوي احتضن ملوك الدولة العلوية هذه المجالس العلمية وشجعوها، وأمروا بفتح باب المناقشة بين العلماء. وكان العلماء من ملوك هذه الدولة يدلون بدلوهم في هذه المساجلات”.

وذكرت مجلة “دعوة الحق” التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، أن هذه المجالس “ازدهرت في عهد السلاطين محمد الثالث وسليمان والحسن الأول خلال أوقات وشهور معينة وهي رجب وشعبان ورمضان”.

وجرت العادة، يضيف المصدر “وخاصة في أيام الدولة العلوية، بعقد المجالس الحديثية خلال الشهـور المذكورة، حيث يعين الشيخ ورئيس المجلس بأمر السلطان، فئة من العلماء الممتازين لحضور المجلس مساء كل يوم طيلة الأشهر الثلاثة باستثناء يومي الخميس والجمعة لسرد أحاديث الصحيح”.

وفي عهد الملك محمد الخامس كان يتم إحياء “الدروس العلمية الحديثية” في كل شهر رمضان و”كانت تحضرها الهيئة المخزنية ونخبة جليلة من علماء المغرب، وكان يدرس في حلقاتها كتب الصحاح كالبخاري ومسلم، وما تشتمل عليه من حكم وأحكام وأصول” بحسب مقال المريني.

اسم جديد 

“تقليد سرنا عليه منذ قرون”، هكذا وصف الملك الحسن الثاني تلك المجالس التي أحياها ابتداء من رمضان عام 1963، تحت اسم “الدروس الحسنية”.

ويرى الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي، أن إحياء الحسن الثاني لهذه الدروس “جاء كتوجه ديني ذو بعد سياسي لمكافحة الصراع القائم حينذاك بين اليسار والناصرية والقومية”.

وأشار رفيقي في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، إلى أن “من أوائل الذين استدعاهم الحسن الثاني لإلقاء الدروس الحسنية كان مرشد الإخوان المسلمين في سوريا عبد الفتاح أبو غدة، ومرشد الإخوان في العراق محمود الصواف”، لافتا إلى أن ذلك “ترك صدى لهذه الدروس في مختلف دول العالم الإسلامي وأظهر المغرب كوجهة علمية ودينية”.




واعتاد المغاربة على متابعة تلك الدروس التي تبث عبر التلفاز منذ عقود، حيث يظهر الملك وهو يجلس على الأرض وكذلك مجموع الضيوف الحاضرين من داخل المغرب وخارجه بينما يجلس ملقي الدرس على منبر، وكانت مدة الدرس لا تتجاوز ساعة، فإذا كان طويلا يتم تقسيمه لدرسين.

وتعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب على “طبع هذه الدروس الحسنية مع ترجمتها إلى اللغات، إضافة إلى إصدارها ضمن أشرطة الفيديو وأشرطة راديو”، بحسب ما جاء في مقال عن “الدروس الحسنية” في “منصة محمد السادس للحديث الشريف”.

مشاركون وضيوف

 منذ بداية ستينيات القرن الماضي وإلى اليوم شارك في “الدروس الحسنية” كمحاضرين عدد كبير من علماء الدين والفقه من مذاهب وبلدان مختلفة، كما حضرها ضيوف بارزين من عدة بلدان.

ومن بين أبرز من شاركوا كمحاضرين أو حضروا كضيوف في هذه الدروس الشيخ المصري محمد متولي الشعراوي، والشيخ السوري محمد سعيد رمضان البوطي، والزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر، والداعية الهندي أبو الأعلى المودودي، ورئيس دولة المالديف السابق مأمون عبد القيوم.

كما شارك في هذه الدروس كمحاضرين عدد من علماء الدين والفقه المغاربيين بينهم المغربي محمد المكي الناصري، والجزائري محمد الأكحل شرفاء، والليبي إبراهيم عبد الله رفيدة، والتونسي محمد الفاضل بن عاشور، والموريتاني عبد الله بن بيه.

وفي عهد الملك محمد السادس، اعتلت ولأول مرة امرأة منبر “الدروس الحسنية”وذلك في عام 2003، وقد كانت أستاذة التعليم العالي في جامعة محمد الخامس بالرباط حينها، رجاء الناجي مكاوي، لتتبعها عالمات أخريات من داخل المغرب وخارجه.

أحداث وطرائف

شهدت “الدروس الحسنية” في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عددا من الأحداث والطرائف التي تخللتها، لا سيما أن الحسن الثاني كان يتدخل أحيانا في هذه المجالس إما لتقديم ملاحظة أو قصد التصحيح أو التنبيه.

كما سبق للحسن الثاني أن ألقى دروسا خلال هذه المجالس بينها درس تضمن شرح الحديث النبوي “كم من رجل لو أقسم على الله لأبره” عام 1967، ودرس تحت عنوان “الأمانة وجلال قدرها في شريعة الإسلام” عام 1968، بحسب ما أوردت مجلة “دعوة الحق” في أحد أعدادها.

ويتذكر عدد من العلماء من داخل المغرب وخارجه مواقف حدثت معهم أو شهدوها أثناء إلقاء هذه الدروس، بينها ما حكاه الرئيس السابق لـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، المصري يوسف القرضاوي، في جزء من كتابه “سيرة ومسيرة” المنشور في موقعه، عن زيارته للمغرب ومشاركته بدرس من “الدروس الحسنية”.




ويحكي القرضاوي أن في درسه ذكر الحديث النبوي “يبعث الله للأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، وقال “في آخر الدرس، أو قل: بعد أن ختمته، سألني الملك سؤالًا مهمًا على عادته في مناقشة العلماء، وذلك حين قال: إنَّ الذي نحفظه في رواية هذا الحديث: أنه بلفظ: “يجدِّد لها أمر دينها”. قلت: هذا هو المشهور على الألسنة” قبل أن يستدرك مستشهدا بالمراجع التي أوردت الحديث كما رواه.

“ولانشغالي بالدرس أكثر من انشغالي بالملك، لم أفكر في الدعاء له في ختام حديثي” يحكي القرضاوي مضيفا “وفي ختام المجلس: صافحني الملك بحرارة، وقال لي: نريدك أن تكون معنا في الموسم القادم”.

ومن بين المواقف الطريفة التي شهدتها “الدروس الحسنية”، ما حدث مع الشيخ المغربي محمد الأزرق، وهو من علماء “القرويين”، حيث كان يلقي درسا بدون ورقة أمام الملك الحسن الثاني، وبينما كان يهم بإنهائه طلب منه الملك أن يستمر فارتبك وبدا كأنه نسي أين توقف حتى ذكره الملك، فقال له الأزرق “أعطاك الله هيبة خاصة، لا يحس بهذا إلا من تربع هذا المنبر” فابتسم الحسن الثاني والحاضرون.