الجريمة المنظمة بين المغرب وفرنسا: تعاون قضائي عابر للحدود أم اختبار للسيادة والتكامل الأمني؟

0
104

في وقت تتعاظم فيه التهديدات الأمنية والاقتصادية العابرة للحدود، نظّم المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشراكة مع وزارة العدل الفرنسية، يومي 19 و20 يونيو 2025، ندوة بالرباط حول مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود. وتندرج هذه الندوة في إطار “الشراكة الاستثنائية” بين الرباط وباريس، التي يُقال إنها تُكرّس إرادة ملكية ورئاسية مشتركة لتعزيز التعاون القضائي في مواجهة التحديات العابرة للسيادة الوطنية.

لكن خلف هذا الخطاب التعاوني، تبرز تساؤلات سياسية وقانونية عميقة:

هل نحن أمام تعاون فعّال في مواجهة الجريمة المنظمة؟ أم أننا نشهد توجّهًا لتدويل السياسة الجنائية على حساب بناء قدرات وطنية مستقلة؟

الجريمة المنظمة: تهديد معولم في بيئة إقليمية هشّة

بحسب تقرير الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC) لسنة 2024، فإن أفريقيا الغربية والمغرب العربي باتت مناطق عبور رئيسية لشبكات المخدرات والأسلحة وغسل الأموال. كما سجل التقرير تزايدًا في الترابط بين الجريمة المنظمة والإرهاب، خصوصًا في منطقة الساحل.

في هذا السياق، تُعدّ مشاركة مؤسسات قضائية من السنغال، وساحل العاج، وموريتانيا، وغينيا، والغابون في الندوة أمرًا حيويًا، لكنه يُطرح عليه سؤال أساسي:

إلى أي حد تستطيع هذه الدول بناء شبكات قضائية متكاملة دون الوقوع في التبعية اللوجستية والتقنية للقوى الكبرى كفرنسا؟

التعاون المغربي الفرنسي: من مكافحة الجريمة إلى معادلة السيادة

تحاول الرباط وباريس، في هذا اللقاء، رسم ملامح تعاون قضائي غير تقليدي، عبر تبادل الخبرات بين الهيئات العليا، مثل النيابة العامة المغربية والمكتب المركزي لمكافحة الجرائم المالية بفرنسا.

ومع ذلك، ينبغي التذكير بأن العلاقة القضائية بين البلدين عرفت توترات حادة في سنوات ماضية، كان أبرزها تعليق التعاون القضائي سنة 2014 بعد إصدار مذكرة توقيف فرنسية بحق مسؤول مغربي، ما يطرح التساؤل:

هل تجاوزنا مرحلة “أزمات الثقة”؟ أم أن ما يجمع اليوم هو الضرورة الأمنية أكثر من الالتقاء الاستراتيجي؟

مقاربة شمولية أم تبعية تقنية؟

البلاغ أشار إلى ثلاثة تهديدات رئيسية: التهريب، وغسل الأموال، والجريمة الاقتصادية والبيئية. وهي ملفات معقّدة تتطلب ليس فقط تبادل الخبرات، بل إعادة النظر في البنية التشريعية الوطنية، ومستوى الرقابة، واستقلالية القضاء.

وفقًا لتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (2023)، فإن غياب العدالة الاقتصادية والتنموية يولّد حواضن محلية للجريمة المنظمة، مما يفرض سؤالًا آخر:

هل يواكب التعاون الأمني إصلاحًا عميقًا في العدالة الاجتماعية؟ أم أن ما يحدث لا يتعدى المعالجة بالمسكّنات القانونية؟

الرباط منصة للوساطة أم ضحية لإعادة انتشار الجريمة الدولية؟

اختيار الرباط لعقد هذه الندوة ليس بريئًا، فالعاصمة المغربية تحاول أن تكرّس نفسها كمركز لتقاطع الجهود الأمنية الدولية، خصوصًا بعد تصاعد دورها في محاربة الإرهاب والتطرف العنيف، كما أشار تقرير المعهد الأوروبي للسلام (2024).

لكن هذا الدور لا يخلو من مخاطر:

  • هل يتحول المغرب إلى نقطة عبور حتمية للمعلومات والتحقيقات؟

  • وما الضمانات القانونية لحماية السيادة القضائية في هذا التعاون؟