الغلوسي: يطالب بتجميد عضوية السياسيين والبرلمانيين “الفاسدين” ومحاسبتهم..هل تعيد الثقة للعمل السياسي؟

0
372

شهدت الساحة السياسية المغربية في الآونة الأخيرة توقيف عدد من السياسيين، بينهم برلمانيون ومنتخبون في الجماعات المحلية، في قضايا فساد مالي واتجار في المخدرات، ولقيت هذه الملاحقات القضائية استحسانا لدى الرأي العام، كونها ستسهم في تطهير المؤسسات المنتخبة من الفاسدين وستعيد الثقة بالعمل السياسي.

في هذا الصدد، طالب مجدداً الحقوقي محمد الغلوسي, رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام, تزامنا مع افتتاح الدورة البرلمانية الثانية غدا الجمعة، محاسبة المتورطين في الفساد من برلمانيين وسياسيين، وتجميد عضوياتهم، وتخليق الحياة العامة.

وقال محمد الغلوسي رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام ” إن انعقاد هذه الدورة يأتي في سياق متابعة 30 برلمانيا قضائيا بتهم مشينة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، وهي سابقة في تاريخ البرلمان المغربي، ومنهم من فتحت ضده مسطرة غسل الأموال وتم حجز ممتلكاته وأمواله.

وأضاف أن السؤال المطروح هو ما إذا كان ماتبقى من البرلمانيين سيجعل من هذا الواقع المخجل أرضية للإنكباب بجدية على سن منظومة قانونية لمكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام، وفي مقدمتها تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، أم أنهم سيقفزون على هذا الواقع كأنه يعني بلدا آخر، وسيستمرون في التطبيع مع الفساد والريع وحماية لصوص المال العام.

و أكد في تدوينة على صفحته في /فايسبوك/ على تفكيك شبكات خطيرة متورطة في جرائم الفساد والرشوة والتزوير في مختلف المجالات، وضمنها ماسمي شبكة اسكوبار الصحراء التي تورط فيها قياديان حزبيان يتوليان تسيير جماعات ترابية مهمة.

و أضاف الحقوقي أن “تورط بعض القيادات الحزبية في فضيحة أخلاقية وقانونية وسياسية، تتعلق بتبديد وإختلاس المال العام من خلال رفض إرجاع ماتبقى من أموال الدعم العمومي او تقديم وثائق ومستندات غير قانونية لتبرير صرف هذا الدعم”، ناهيك عن فضيحة ماسمي زورا بصفقات الدراسات والأبحاث، التي ظلت سرية لحدود الآن.

ولفت المتحدث إلى أن هذه القضية شكلت موضوع شكاية للجمعية إلى رئيس النيابة العامة، مجددا له الطلب بإحالتها على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

كما أن السياق الذي تأتي فيه الدورة البرلمانية الجديدة، حسب الغلوسي، يتميز بمتابعة بعض القيادات الحزبية على خلفية جرائم الفساد ونهب المال العام، واستمرارها في تحمل المسؤوليات العمومية رغم ذلك، وتمثيل البرلمان في أنشطة رسمية داخلية أو خارجية، رغم الحديث عن مدونة الأخلاقيات التي تحاول الأحزاب المناورة من أجل إفراغها من محتواها لتبقى شكلية دون أي تأثير.

وأعرب عن رفضه استمرار صرف الأجور والتعويضات للمتهمين ضدا على القواعد الأخلاقية والقانونية المنظمة لعمل ونشاط المرافق العمومية والعمل السياسي.

وأصدرت المحكمة الدستورية في الفترة ما بين الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي والثالث من يناير/كانون الثاني الجاري قرارات بتجريد 5 برلمانيين من عضويتهم في مجلس النواب، بعد صدور أحكام قضائية نهائية تدينهم في قضايا مختلفة.

يتعلق الأمر ببرلمانيين ينتمون لأحزاب الأغلبية الحكومية والمعارضة، صدرت في حقهم أحكام قضائية في قضايا تتراوح بين الابتزاز والارتشاء والتزوير وتبديد واختلاس أموال عمومية وإصدار شيكات بدون رصيد والنصب.

نواب “الفساد” يناورون بالاستقالة - العرائش نيوز - Larachenews

وحسب مصادر إعلامية، فقد قرر مجلس النواب إحالة ملفات 4 نواب برلمانيين آخرين على المحكمة الدستورية، من أجل تجريدهم من عضويتهم بالمجلس، بعد صدور أحكام قضائية تقضي بعزلهم من عضوية المجالس الجماعية التي كانوا منتخبين بها، بسبب ارتكابهم مخالفات قانونية.

من جهة أخرى، يُتابَع حوالي 20 برلمانيا ينتمون لأحزاب من الأغلبية والمعارضة في ملفات تتعلق بالفساد المالي وتبديد أموال عمومية والاتجار في المخدرات، منهم من لا يزال في طور التحقيق ومنهم من تم إيداعه السجن بعد صدور أحكام ابتدائية في حقهم ومنهم من لا يزال طور المحاكمة.

وكان آخر هذه الملفات المفتوحة استدعاء البرلماني ورئيس المجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير محمد السيمو، وهو المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة مع 12 موظفا من الجماعة، للتحقيق في شبهات تتعلق بتبديد أموال عمومية، وحسب وسائل إعلام مغربية، فإن قاضي التحقيق أمر بإغلاق الحدود في وجه البرلماني وحجز جميع ممتلكاته باستثناء راتبه من البرلمان.

وخلقت قضية ظهور أسماء برلماني ورئيس جهة ومستثمرين في ملف الاتجار الدولي للمخدرات جدلا واسعا في الآونة الأخيرة، بعد أن أدلى أحد كبار تجار المخدرات، وهو من أصل مالي ومعتقل في المغرب منذ 2019، باعترافات في الصيف الماضي بوجود شركاء له في تجارة المخدرات، من بينهم سياسيون وموظفون كبار.

تطرح الملاحقات القضائية ومحاكمات هذا العدد الكبير من البرلمانيين والمنتخبين أسئلة حول مصداقية المؤسسات المنتخبة والعملية الديمقراطية برمتها، وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إسماعيل حمودي أن “ملاحقة القضاء لبعض المنتخبين بدأت بعد الانتخابات الجماعية والبرلمانية سنة 2021”.

وأشار حمودي، في تصريحات سابقة، إلى أن “وزارة الداخلية أحالت عشرات الملفات على القضاء في الفترة ما بين سنتي 2021 و2022، بتهم تتعلق بجرائم الأموال والرشوة وتبديد أموال عمومية، والشطط في استعمال السلطة، وبعدها بدأت مرحلة ثانية من الملاحقات منذ العام الماضي لمنتخبين في البرلمان والمجالس المنتخبة، بتهم تتعلق بالاتجار في المخدرات”.

ولاحظ حمودي أن المتهمين والمشتبه بهم في هذه القضايا يغطون مختلف الأحزاب السياسية، وبشكل أساسي الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف الحكومي، وهي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال.

ولفت حمودي إلى أن “تقلد المتورطين في هذه الملفات مواقع قيادية في أحزاب حكومية وفي المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان، يعد بمثابة عملية اختراق منظمة للأحزاب السياسية المقربة من السلطة، وبالتالي توظيف هذه الأحزاب ومن خلالها المؤسسات المنتخبة في تغطية فسادهم، وهو ما يعده أمرا خطيرا على العملية الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة”.

ومما يزيد الوضع خطورة حسب حمودي هو “تقلد شخصيات متورطة في تجارة المخدرات والفساد المالي مناصب مهمة في مؤسسات الدولة، وجاء في سياق اتسم بقتل السياسة وضعف الثقة في المؤسسات المنتخبة والوسيطة، مثل النقابات والأحزاب والبرلمان والمجالس الجماعية”.

ويسجل أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول عبد الحفيظ اليونسي عددا من الملاحظات بخصوص المتابعات القضائية الأخيرة للمنتخبين، يرتبط أولها بالبناء المؤسساتي الذي يجب أن يتعزز وتمنح له صلاحية الممارسة الاستباقية لمواجهة هذا النوع من الجرائم المرتبطة بالأموال أو المخدرات أو استغلال النفوذ، إضافة إلى توفير ضمانات للقضاء ليمارس استقلاليته الفعلية في هذا النوع من الملفات.

وتتعلق الملاحظة الثانية ببعض الثغرات القانونية والمسطرية المرتبطة بهذا النوع من المتابعات، ويقول اليونسي “هي ثغرات يتم الاعتماد عليها إما لإطالة أمد الملفات، أو للإفلات من العقاب، وهو ما قد يسقط مؤسسات الدولة في نوع من الانتقائية في تطبيق القانون”، لذلك يؤكد على ضرورة إخراج قانون الإثراء غير المشروع والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية في صيغتها الجديدة، لتعزيز دور القضاء والضابطة القضائية في محاربة هذه الجرائم.

أما الملاحظة الثالثة، فلها علاقة بدور بعض المؤسسات التي يظهر أنها فقط عبء مؤسساتي لانعدام دورها في هذا النوع من الملفات من قبيل مجلس المنافسة وهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة.

وحول ما إذا كانت هذه الحملة ستساهم في إعادة الثقة بالعمل السياسي وترميم صورة الأحزاب، التي فقدت تأثيرها على الناخبين وأدوارها في الوساطة، يؤكد أستاذ العلوم السياسية إسماعيل حمودي أن هذه الحملة ستساهم نوعا ما في تنظيف الأحزاب السياسية من تجار المخدرات والفاسدين المعروفين بفسادهم، وهي في نظره بمثابة “فرصة لها لإعادة ترميم صورتها وإعادة بناء نفسها إن هي أرادت ذلك”.

وشدد حمودي على حاجة الأحزاب السياسية إلى تعاقد جديد مع الناخبين وفيما بينها، يتم بموجبه “طرد كل من حولهم شبهات الاغتناء من المال العام والاغتناء غير المشروع وبالاتجار من المخدرات وإخراجهم من الحياة السياسية”، ويضيف: “بدون ذلك سيظل موقف هذه الأحزاب ملتبسا”.

واعتبر حمودي أن أمام الدولة أيضا فرصة لإعادة تأهيل الحياة السياسية وتأهيل المؤسسات السياسية لتكون في مستوى المرحلة، مضيفا أن “بناء الثقة في العمل السياسي والمؤسسات هو مسار يمكن أن يبدأ مع هذه الحملة ويمكن أن يخطئ موعده”.

بينما يرى أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي أن “هذه الملاحقات القضائية والمحاكمات للمشبوهين في قضايا الفساد والاتجار في المخدرات قد تقوي من صورة مؤسسات إنفاذ القانون أو مؤسسات الدولة، لكن في مقابل ذلك ستضعف لا محالة من صورة السياسي، وهي صورة سلبية في كل الحالات”.

ويؤكد أن “استعادة الثقة تعني أن تكون الانتخابات في عمومها براهن تهم الدولة، ولكن أيضا تهم استقرار واستمرار النظام السياسي”، مشددا على أهمية القطع مع أساليب شراء الأصوات بالمال المشتبه في مصدره.

ويضيف اليونسي أن “تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا مبدأ المساواة أمام القانون من شأنه تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة، سواء تلك المتعلقة بمؤسسات إنفاذ القانون أو السلطة القضائية، وهي ثقة في المحصلة النهائية تقوي من مشروعية وشرعية النظام السياسي المغربي” وفق تعبيره.

وانتقد الحقوقي المحامي الغلوسي استمرار بعض الأحزاب في معاكسة توجه الدولة المعبر عنه رسميا وعلى أعلى مستوى في مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام، والتعامل مع ذلك باعتباره مجرد حملة ظرفية اقتضتها طبيعة المرحلة، ومن المفيد الإنحناء حتى تمر الحملة بسلام.

وزاد “لايخفى على نواب الأمة أن تقارير قد توقفت عند تفاقم الفساد والرشوة بالمغرب وهو مايشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الإجتماعيين، ولذلك فإن المغاربة يتطلعون إلى إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد ونهب المال العام والريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويتمنون أن تستمر المعركة ضد الفساد، وذلك بمحاكمة لصوص المال العام والمفسدين وتحريك مساطر غسل الأموال ضدهم”.

هذا الواقع، يضيف الغلوسي، يفرض على الأحزاب السياسية قبل فوات الآوان أن تلتقط دقة المرحلة وصعوباتها وخطورة الفساد على الدولة والمجتمع وأن تبدأ من نفسها، وذلك بتجميد عضوية كافة المتهمين في جرائم الفساد، وعدم ترشيحهم لأية مسؤولية عمومية كيفما كانت او تكليفهم بتمثيل البرلمان في أي نشاط، مع اتخاذ البرلمان لقرار نافذ يقضي بوقف صرف أجورهم وتعويضاتهم.

ودعا الحقوقي، الأحزاب إلى إرجاع أموال الدعم العمومي موضوع تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى خزينة الدولة، مع مطالبتها بعقد مؤتمراتها وتجديد هياكلها وإتاحة الفرصة لكفاءات وطاقات جديدة لتحمل المسؤولية بعيدا عن الولاءات ومنطق العائلة.

و كانت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة, ذكرت في أحد تقاريرها أن “المغرب يعيش وضعية فساد عامة دون وجود آفاق للخروج منها, حيث تظل كل التوصيات الصادرة للقضاء على الفساد حبرا على ورق ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع”.

كما تم التنبيه إلى أن هيئات الرقابة بالمغرب غير مفعلة, ناهيك عن أن التشريع غير جيد على مستوى محاربة الفساد ولا يوجد تجريم للإثراء غير المشروع. وشددت الجمعية في تقريرها على أن الفساد المستشري بالمغرب “ذو طبيعة مزمنة ونسقية” ويمس مختلف القطاعات التي تعني المصالح اليومية للشعب المغربي, مثل المستشفيات والمحاكم والمرافق الإدارية.

 

 

المصدر : المغرب الآن + الجزيرة + منصات التواصل الاجتماعي