“الفساد أمام القضاء: خطوة نحو المحاسبة أم استمرار للإفلات من العقاب؟”

0
262

كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات 2023-2024 عن إحالة 16 ملفًا جنائيًا على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بين يناير 2023 وسبتمبر 2024. هذه الملفات تتعلق بقرائن أفعال ذات صبغة جنائية، مما يثير التساؤل حول جدية التعامل مع قضايا الفساد وفعالية المساطر القانونية في إرساء العدالة.

هل هذه التحركات كافية لتقويض شبكات الفساد الممتدة في المؤسسات العمومية والجماعات الترابية؟

إجراءات تصحيحية.. أثرها ومحدوديتها

أشار التقرير السنوي للمجلس إلى إجراءات تصحيحية قامت بها الأجهزة المعنية قبل مباشرة المساطر القانونية، وكان لها وقع مالي إيجابي، حيث تم تحصيل ديون وواجبات مستحقة بقيمة 54 مليون درهم وتطبيق غرامات تأخير بـ6.3 ملايين درهم. ومع ذلك، يبرز السؤال: هل تكفي هذه الإجراءات الوقائية لمعالجة جذر الفساد، أم أنها مجرد محاولات لتجنب المساءلة القانونية؟

الأحكام والعقوبات: خطوة نحو العدالة أم رسائل متواضعة؟

بلغ عدد الملفات المتعلقة بالتأديب المالي أمام المحاكم 297 ملفًا، تم البت في 86 منها بأحكام غرامات بقيمة تجاوزت 5 ملايين درهم. ومع أن هذه الأرقام تبدو مشجعة، إلا أن حجم الفساد المكتشف يشير إلى أن العقوبات قد لا تكون رادعة بما يكفي. ما الذي يمنع من اعتماد سياسات أكثر صرامة لردع المخالفين؟

دور وزارة الداخلية: شريك رقابي أم مجرد ناقل للقضايا؟

أظهرت الإحصاءات أن 21% من القضايا المرفوعة جاءت من وزارة الداخلية، بينما الباقي كان من داخل المجلس نفسه. هل تعكس هذه النسبة دورًا محدودًا لوزارة الداخلية في الإبلاغ عن قضايا الفساد، أم أن هناك تحديات تحول دون كشف المزيد من التجاوزات في الأجهزة الإدارية والجماعات؟

الأشخاص المتابعون: مسؤولون كبار ولكن…

شملت القضايا مسؤولين كبارًا في المؤسسات العمومية، ومديريات مركزية، ومرافق لاممركزة. ومع ذلك، يظل التساؤل قائمًا حول مدى قدرة هذه المتابعات على تغيير ثقافة الإفلات من العقاب داخل الإدارات العمومية والجماعات الترابية. هل يتم التحقيق بعمق في الشبكات التي تغذي هذه الممارسات، أم أن المتابعات تنحصر في المسؤولين الظاهرين فقط؟

إلى متى يستمر استنزاف المال العام؟

رغم الجهود المبذولة، يطرح التساؤل الأكثر إلحاحًا: متى ستصل البلاد إلى مرحلة تتجاوز فيها ظاهرة الفساد المستشرية؟ وهل سيشهد المواطن يومًا إجراءات صارمة تتسم بالشفافية والسرعة، قادرة على وضع حد نهائي لهذه الآفة؟

إصلاح جذري أم خطوات متعثرة؟

يعكس تقرير المجلس الأعلى للحسابات تحديات كبيرة تواجه المملكة في تحقيق حكامة مالية وإدارية حقيقية. هل نحن بحاجة إلى إصلاح شامل لنظام المحاسبة والمساءلة، أم أن الحل يكمن في تفعيل الإرادة السياسية والقانونية بصرامة أكبر؟

ختامًا: بين الواقع والمأمول

يبقى الطريق نحو القضاء على الفساد طويلًا وشاقًا، ولكنه ضروري لتحقيق التنمية الشاملة. فهل ستنجح الإصلاحات المقبلة في كبح جماح هذا السرطان الإداري؟ وهل ستصل المحاكم إلى محاسبة فعلية للشبكات الفاسدة، أم أن الفساد سيظل متجذرًا في البنية المؤسسية؟