يعيش المغرب أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة، وأصبحت جميع مناطق البلاد بدون استثناء تعاني من الجوع والفقر، فما السبب وراء هذا الوضع الكارثي؟
ويشهد المغرب حراكا مستداماً احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي، كما يرزح 85% من المغاربة تحت خط الفقر، في حين تنهار العملة المغربية تباعا وترتفع الأسعار بشكل جنوني.
قال الملياردير رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في توقعاته عن المستقبل القريب في الخمس سنوات المقبلة، إن الأمر سيكون، أسوأ لاحقا.
ووفقا له، حذّر أخنوش من أزمة أكبر سيواجهها المغرب خلال الفترة القادمة، بسبب الجفاف، معتبرا أن أزمة قطاع التعليم وغيره من المشاكل تبدو أسهل بالمقارنة مع التحدي القادم.
وفي كلمة ألقاها بمجلس المستشارين، قال إن المغرب دخل السنة الثالثة على التوالي من الجفاف بسبب قلة التساقطات المطرية، وقال إن التعامل مع هذا الوضع سيختلف خلال الفترة القادمة، في محاولة للتعامل مع هذا الوضع.
وفي هذا السياق أشار إلى قرب كشف وزير التجهيز والماء نزار بركة عن إجراءات، في مقدمتها ترشيد وتقليل استهلاك المياه، لاسيما وأن الوضع يؤثر حاليا على الفلاحة عبر حرمان المزارعين من المياه.
يصنف المغرب ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، وتقدر الموارد المائية السطحية في السنة المتوسطة بـ18 مليار متر مكعب، أما المياه الجوفية فتمثل 20% من الموارد المائية التي تتحصل عليها المملكة.
وتبلغ حصة الفرد من المياه أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 متر مكعب عام 1960، ومن المتوقع أن تنخفض هذه الكمية لأقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030.
وشهد المغرب عجزا في هطول الأمطار خلال الفترة ما بين أعوام 2018-2022، نتج عنه انخفاض قوي في تدفقات المياه إلى السدود.
وبلغ العجز المائي 85% تقريبا في موسم 2021-2022، إذ بلغ مخزون المياه الصالحة للري 900 مليون متر مكعب عام 2022 مقارنة بمتوسط 3.4 مليارات متر مكعب بين أعوام 2009-2017، في حين بلغ العجز في المياه الجوفية مستوى حادا، إذ انخفضت بما بين 3 و6 أمتار.
خلال 70 عاما، شهدت المملكة 20 موسم جفاف، إلى جانب الارتفاع المتزايد لدرجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية، ورغم أن الجفاف ليس ظاهرة طبيعية جديدة على المغرب، فإن النمو السكاني جعل تأثيره أخطر وأكبر، حسب ما أوضح عبد الحكيم الفلالي أستاذ علم المناخ والبحث في قضايا البيئة والماء.
وأضاف الفلالي -في تصريح صحفي سابق- أن 40% من المياه الصالحة للزراعة تتعرض للهدر بفعل تقادم قنوات الري والتسرب الجوفي.
من جهتها، ترى البرلمانية نعيمة الفتحاوي، عضو مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسة المائية بمجلس النواب، أن غياب إستراتيجية حاكمة للنشاط البشري، خاصة في مجال الزراعة، أدى إلى تفاقم الأزمة، إذ إن عديدا من الجمعيات البيئية تحمّل المسؤولية لمزارعي محاصيل مثل البطيخ الأحمر والأفوكادو، بالنظر لكون هذه الزراعات تستهلك كل عام أزيد من 15 مليون متر مكعب وتسببت في استنزاف المياه الجوفية.
لدى المغرب حاليا 150 سدا كبيرا بطاقة تخزينية تصل إلى 19.1 مليار متر مكعب، مقابل 17 سدا لا تزال في طور الإنجاز، إضافة إلى 137 سدا متوسطا و129 سدا صغيرا.
وبلغ مخزون السدود يوم 11 مايو/أيار الجاري 5214 مليون متر مكعب، بمعدل ملء قدره 32% مقابل 34% خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وأطلقت وزارة التجهيز والماء مشروعا للربط بين السدود بهدف تحويل الفائض من سد إلى آخر.
ومن المفترض أن يتم خلال الصيف القادم الانتهاء من الربط بين الحوض المائي لسبو وحوض أبي رقراق وحوض أم الربيع، وذلك بهدف تفادي هدر ما بين 500 إلى 800 مليون متر مكعب من المياه تصب في البحر من دون الاستفادة منها، والعمل على استثمارها في المناطق الأكثر حاجة إلى ماء الشرب أو الزراعة.
المعارضة الإسلامية تستدعي رئيس الحكومة أخنوش للمساءلة حول “استمرار الاضرابات بقطاع التعليم لأشهر”
تعد الموارد المائية من القضايا ذات الأولوية في البلاد وتحظى باهتمام أعلى سلطة في البلاد، إذ خصص صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس عاهل البلاد حفظه الله ورعاه حيزا مهما في خطبه في عديد من المناسبات حول هذا الموضوع، وعقد جلسات مع الحكومة لمتابعة تقدم المشاريع وتنفيذها.
وبالنظر إلى الوضع المناخي والمائي، الذي أثر هذا العام بشكل سلبي على سير الموسم الزراعي تم تخصيص مبلغ 143 مليار درهم (الدولار يعادل نحو 10 دراهم) ميزانية مخصصة لبرنامج مكافحة آثار الجفاف.
ويتضمن هذا البرنامج:
-
مشروع الربط بين الأحواض المائية.
-
برمجة سدود جديدة للزيادة من قدرة التخزين بـ6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة.
-
تسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر.
يمتلك المغرب 9 محطات لتحلية مياه البحر تنتج نحو 147 مليون متر مكعب في السنة، إلى جانب 3 محطات تنتج المياه للإنتاج الزراعي والصناعي.
وتستخدم 53% من المياه التي يتم إنتاجها في هذه المحطات للماء الصالح للشرب، و23% موجهة للإنتاج الصناعي، و24% موجهة للإنتاج الزراعي.
ويطمح المغرب إلى إنجاز 20 محطة في أفق 2030، لبلوغ هدف توفير حوالي 1.3 مليار متر مكعب من المياه.
هذه المحطات أصبحت حسب الباحث في المناخ محمد بنعبو خيارا إستراتيجيا لا غنى عنه في ظل شح الموارد المائية.
وأضاف -في تصريحات إعلامية سابقة – أن الحكومة تعمل على تسريع إنجاز 7 محطات ستكون جاهزة للعمل في غضون سنتين أو 3 سنوات، مشيرا إلى أنه بالرغم من تكلفتها الباهظة، فإنها ستمكّن من توفير المياه لعدد من المدن الكبرى مهددة بشبح مياه الشرب مثل الدار البيضاء ومراكش.
يعتبر القطاع الزراعي أكثر مستهلك للمياه بنسبة 87%، لذلك اتجهت وزارة الفلاحة نحو تحديث منظومة الري وأطلقت برامج لتشجيع الري بالتنقيط لتجنب إهدار الموارد المائية.
وتوسعت المساحات المجهزة للري بالتنقيط لتبلغ حاليا 770 ألف هكتار بدلا عن 160 ألف سنة 2008، وهو ما يمكّن المغرب من ترشيد ملياري متر مكعب سنويا من المياه المخصصة للزراعة.
وتسعى وزارة الفلاحة للوصول لهدف ري مليون هكتار بتقنية الري بالتنقيط بحلول عام 2030 من أصل 1.6 مليون هكتار من المساحة المزروعة.
إلى جانب ذلك، اتجهت الوزارة إلى معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في ري المساحات الخضراء والأراضي الزراعية.
وحسب وزارة التجهيز، فإن زيادة حجم إنتاج المياه المعالجة ارتفع من 30 مليون متر مكعب إلى 100 مليون متر مكعب.
وكان المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة والمعهد الوطني للبحوث قد أعلنا في مارس/آذار الماضي عن تطوير 6 أصناف جديدة من القمح الصلب والشعير أكثر مقاومة للجفاف. في حين يتم تشجيع زراعات أخرى لا تتطلب موارد مائية كبيرة في عدد من المناطق مثل الكينوا والخروب والصبار والزيتون وغيرها.
تؤكد البرلمانية نعيمة الفتحاوي ضرورة تجنب السيناريو المؤلم المتعلق بالانتقال من وضعية الإجهاد المائي إلى ندرة المياه، وذلك عبر تغيير مقاربة الدولة لمعالجة إشكالية المياه والمضي نحو جعل 60% من الموارد المائية مصدرها تحلية مياه البحر، خاصة أن البلاد تطل على واجهتين بحريتين، وعدم الاعتماد فقط على مخزون السدود والمياه الجوفية التي تعرضت للاستنزاف.
وشددت الفتحاوي على ضرورة التحلي بالفعالية لتنفيذ البرامج المسطرة وفق جدولة زمنية محددة، نظرا لراهنية هذا الموضوع ووقعه على المعيش اليومي للمواطن وعلى الاقتصاد الوطني.
من ناحية أخرى، يرى محمد بنعبو أنه إلى جانب المشاريع الكبرى التي تم إطلاقها لتوفير مخزون مائي يجنب البلاد شبح العطش، فإن ترشيد الموارد المائية يعد أهم خطوة والأكثر فعالية للتعامل مع أزمة ندرة المياه.
من جهته، يرى عبد الحكيم الفلالي أن التدابير المعلن عنها ذات بعد إستراتيجي من شأنها التخفيف من الجفاف المائي، ويؤكد أهمية مواصلة البحث عن طرق مبتكرة لترشيد المياه.
المصدر : المغرب الآن + الجزيرة