المعارضة الاشتراكية تنتقذ الوزيرة المنتدبة المكلفة بإصلاح الإدارة.. رغم وصف الملك للإدارة بأنها “تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة وغياب روح المسؤولية

0
449

لم يعد غريباً، بعد سلسلة الخطابات التي ألقاها صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس عاهل البلاد – حفظه الله- في العديد من المناسبات سابقة، أن يتوجّه حضرته بخطاب قوي محمّل برسائل مهمة وصارمة إلى الإدارة المغربية، بمختلف ممثليها ومكوّناتها، وهو الذي أكّد قائلا “لا تهمّني الحصيلة والأرقام في المنجزات أكثر مما يهمني التأثير المباشر على المواطن”.

الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن ودون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى بل لا مبرر لوجودها أصلا

الرباط – وجه رشيد حموني رئيس الفريق النيابي لحزب “التقدم والاشتراكية” سؤالا كتابيا إلى غيثة مزور الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، ينتقد فيه عدم تقيد الإدارات العمومية، بمبادئ الرقمنة.

وأكد حموني في ذات السؤال أن مجموعة من الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، مازال يطبعها عدم الالتزام الضروري بالمقتضيات التي جاء بها القانون، حيث لا تزال تطالب المرتفقين بأكثر من نسخة واحدة من الوثائق المكونة للطلب.

وأشار أن نفس الأمر يتكرر في تصحيح الإمضاءات والإدلاء بنسخ مطابقة لأصول الوثائق والمستندات المكونة لملف طلبهم، بالإضافة الى العديد من المعيقات الأخرى.

وشدد على أن هذا الوضع يخالف الظهير الشريف رقم 1.20.06 الصادر في رجب 1441 (6 مارس 2020) والمتعلق بتنفيذ القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، ويناقض التعليمات الملكية الرامية إلى تمكين المرتفق، مواطنا كان أو مقاولة، من قضاء مصالحه الإدارية في أحسن الظروف والآجال، مع الحرص على تبسيط المساطر وشفافيتها وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه.

وساءل حموني وزيرة الانتقال الرقمي عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة بخصوص تفعيل وتطبيق مقتضيات القانون المذكور، والتقيد بالأحكام والمبادئ العامة والآجال التي جاء بها، وذلك من أجل تحسين العلاقة بين الإدارة والمرتفقين.

سيرا على هذا النهج، حمّل الملك محمد السادس خطابه السامي، نقداً شديداً لأداء الإدارة المغربية التي وصفها بأنها “تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين وتعاني بالأساس من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة، وهي تشكل بالنسبة إلى العديد منهم مخبأ يضمن لهم راتبا شهريا دون محاسبة على المردود الذي يقدمونه”.

وفي توجيهات تفتح الباب لثورة إصلاحات في الإدارة المغربية، قال الملك محمد السادس إن “إصلاح الإدارة يتطلب تغيير السلوكيات والعقليات وجودة التشريعات من أجل مرفق إداري عمومي فعال في خدمة المواطن”، داعيا إلى “تكوين وتأهيل الموظفين، الحلقة الأساسية في علاقة المواطن بالإدارة وتمكينهم من فضاء ملائم للعمل، مع استعمال آليات التحفيز والمحاسبة والعقاب”.

بالتوازي مع تطوير الشكل التقليدي للإدارة شدّد العاهل المغربي على ضرورة “تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق لتسهيل حصول المواطن على الخدمات في أقرب الآجال دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة الذي يعد السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الرشوة واستغلال النفوذ”.

ونظرا للأدوار التي تلعبها الإدارة المغربية وعلاقاتها مع المواطن فقد وضع خطاب العاهل المغربي الإصبع على مكمن العطب داخل هذا المرفق العمومي الهام، وقد أكد الملك محمد السادس أن “الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. ودون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا”.

والحقيقة أن كل ما جاء في الخطاب الملكي هو إطار ينم عن معرفة عميقة لمواطن الخلل ويحدد مسؤوليات الحكومة في العمل على الإصلاح، وذلك لمواجهة كافة التحديات التي تحملها السياقات الجيوسياسية الإقليمية المتقلبة تتطلب إصلاحا شاملا للإدارة.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه مرتبط بتوزيع الأدوار داخل كل مؤسسات الدولة وتضافر الجهود ما يجعل الولاية التشريعية والحكومية المقبلة تشتغل في ظل خطط واستراتيجيات تهتم بفعالية بالقضايا الوطنية المرتبطة بالاستثمارات الخارجية والداخلية وبالسياسة الخارجية وخصوصا ما يرتبط بقضية الصحراء المغريية.

ويستوجب الإصلاح الإداري ترجمة فعلية للمفهوم الجديد للسلطة الذي أكد عليه العاهل المغربي، وذكّر به في خطاب البرلمان، وذلك بتشديده على أن الإدارة يجب أن تكون في خدمة المواطن وليس العكس؛ فالعديد من المواطنين حسب العاهل المغربي “يشتكون من قضايا نزع الملكية، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب”.

ويقارب عدد الموظفين العموميين في المغرب الـ900 ألف موظف يتوزعون بالخصوص على قطاع التعليم (36 بالمئة) والداخلية (31 بالمئة) والصحة (10 بالمئة).

ونبّه العاهل المغربي إلى أن “الصعوبات التي تواجه المواطن في علاقته بالإدارة كثيرة ومتعددة تبتدئ من الاستقبال مرورا بالتواصل إلى معالجة الملفات والوثائق بحيث أصبحت ترتبط في ذهنه بمسار المحارب. فمن غير المعقول أن يتحمل المواطن تعب وتكاليف التنقل إلى أيّ إدارة سواء كانت قنصلية أو عمالة أو جماعة ترابية أو مندوبية جهوية وخاصة إذا كان يسكن بعيدا عنها ولا يجد من يستقبله أو من يقضي غرضه”.

وقال حضرته حفظه الله “من غير المقبول ألا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة، ومن حقه أن يتلقى جوابا على رسائله وحلولا لمشاكله”.