يتجه المغاربة، في الثامن من الشهر الجاري، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس النواب (الانتخابات التشريعية) وأعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات (الانتخابات المحلية) في نفس اليوم.
للمرة الأولى في تاريخ المملكة يدعى قرابة 18 مليون مغربي لانتخاب نواب الغرفة الأولى للبرلمان(395)، وأعضاء مجالس الجماعات والجهات في يوم واحد. ويأتي ذلك بعد انقضاء ولاية الائتلاف الحكومي الحالي الذي قاده حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية منذ وصوله للسلطة في سياق الربيع العربي العام 2011، من دون تولي الوزارات الأساسية.
وبذلك، تحدد نتيجة هذه الانتخابات نواب الغرفة الأولى البالغ عددهم 395 عضوا، فضلا عن أكثر من 31 ألف عضو منتخب في مجالس المحافظات والجهات.
وبحسب وزارة الداخلية المغربية، تتنافس 1704 قائمة في الانتخابات التشريعية، وتشمل في المجموع 6 آلاف و815 ترشيحا، أي بمعدل يفوق 17 ترشيحا عن كل مقعد.
أما الانتخابات الجهوية والبلدية، فقد أفاد بيان الوزارة بأن عدد الترشيحات النهائية 1769 مترشحة ومترشحا، أي بمعدل يقارب 20 ترشيحا عن كل مقعد.
ويسعى حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات للاستمرار برئاسة الحكومة، وينافسه على صدارة الانتخابات حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه مستشار الملك حاليا فؤاد عالي الهمة عام 2008 لمواجهة الإسلاميين، قبل أن يستقيل منه في 2011، بحسب فرانس برس.
في غياب استطلاعات رأي لتوجهات الناخبين كانت نتائج دراسة حول مؤشر الثقة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات في فبراير، أظهرت أن 64 بالمئة من المستطلعة آراؤهم لا ينوون المشاركة في هذه الانتخابات، بينما صرح 98 بالمئة منهم بعدم انتمائهم لأي حزب سياسي.
وقال المحلل السياسي مصطفى السحيمي لوكالة فرانس برس: “إقناع نحو 18 مليون مغربي بالتوجه إلى مكاتب الاقتراع “يبقى الرهان الأول” في هذا الاستحقاق بالنسبة لحوالى 30 حزبا مشاركا في هذه الانتخابات”.
ويضيف “ستكون مفاجأة سارة إذا بلغت نسبة المشاركة 45 بالمئة”، علما أنها بلغت نحو 43 بالمئة خلال انتخابات 2016، مشيرا إلى أن جمع الانتخابات البرلمانية والمحلية في يوم واحد يهدف أساسا إلى رفع نسبة المشاركة.
ويخوض المنافسة أيضا حزب التجمع الوطني للأحرار، برئاسة رجل الأعمال وزير الزراعة لعدة سنوات، عزيز أخنوش، فضلا عن حزب الاستقلال (يمين وسط).
ويسوّق حزب التجمع الوطني للأحرار نفسه بديلاً، يمكن الرهان عليه، لإصلاح “أخطاء” الحكومة الحالية، التي يشارك فيها، ويا للمفارقة، بحقائب وزارية وازنة (المالية، الفلاحة، الصناعة، التجارة…). وينسى مناضلون أن الجزء الأكبر من مشاكل المغرب، منذ سنوات وليس فقط اليوم، هو زواج المال بالسياسة، وحزب الأحرار المثال الصارخ لهذه الظاهرة، لدرجة يوصف بحزب “رجال الأعمال”. وتبقى حملة المقاطعة التي طالت شركة لتوزيع المحروقات يملكها زعيم الحزب عزيز أخنوش أبهى صور رفض المغاربة لاقتران السياسية بالاقتصاد.
وبشأن عدد عمليات التفاعل لصفحات الأحزاب المغربية على فيسبوك خلال هذا الأسبوع، أورد المصدر ذاته صورة تظهر تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار” بأزيد من 4,3 مليون تفاعل، يليه “حزب الاستقلال” بأزيد من 950 ألف، ثم “حزب التقدم والاشتراكية” بأكثر من 548 ألف.
يحاول حزب الأصالة والمعاصرة أن يهرب من شبح المعارضة الذي يلاحقه، منذ لحظة التأسيس سنة 2008، وتفك هذه المحطة الانتخابية عقدته مع التدبير. لا سيما بعد إسناد قيادة الحزب إلى عبد اللطيف وهبي، رجل بتاريخ نضالي وحقوقي، استطاع القيام بثورة تنظيمية داخله. لكن لعنة الولادة ستبقى ملازمة لحزب الجرار، عقب “المصالحة” مع حزب العدالة والتنمية، المشروع المضاد الذي تأسس الحزب لوقف هيمنته.
حزب الاستقلال من جانبه، يضمد الجراح التي خلفها الانسحاب المفاجئ من حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2013، وما أعقب ذلك من بقاء في المعارضة طيلة 8 سنوات، لحزب أساس قوته ماكينة انتخابية من الأعيان وشبكة علاقات متجذرة، راكمها بفضل تاريخه العريق. وعمل على تصفية مخلفات المعركة التنظيمية، التي استمرت عدة أشهر، ضد الأمين العام السابق حميد شباط، وانتهت بالتحاقه بمعية أنصاره بحزب جبهة القوى الديمقراطية.
أياً يكن الحزب الفائز في استحقاق 8 سبتمبر/أيلول، يبقى المؤكد أن الخريطة الانتخابية المقبلة تعد بفسيفساء حزبية في البرلمان، فالتوقعات تفيد بدخول نحو 20 حزباً إلى البرلمان، بموجب القواعد الانتخابية الجديدة. ما يعزز من بلقنة المشهد الحزبي، في وقت أحوج ما يكون فيه المغرب إلى أقطاب سياسية ببرامج وأهداف. ويبشر بحكومة ملغومة من شأنها أن تنفجر عند أول خلاف بين الخليط غير المتجانس من الأحزاب المكونة لها. ويبقى حلم “الانتقال الديمقراطي” المشروع المؤجل حتى إشعار آخر.
وقال الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز، لوكالة فرانس برس، إن من بين تفسيرات هذه النظرة السلبية للعمل السياسي، “كون المغرب لم يصل بعد إلى مستوى الديمقراطيات العريقة التي يدرك فيها المواطنون أن الأحزاب السياسية تلعب أدوارها كاملة وقادرة على خدمتهم”.
بدوره، يعتقد أستاذ العلوم السياسية أحمد بوز، في تصريح لوكالة فرانس برس، أن النقاش حول جدوى الانتخابات في الوصول إلى السلطة لم يتم تجاوزه بعد رغم إقرار دستور 2011، ولا يستبعد أن يرتبط تراجع الاهتمام بها “بوجود شعور بضعف هامش القرار لدى المؤسسات المنتخَبة، وعدم جرأة المنتخَبين في ممارسة كل السلطات التي يتيحها لهم الدستور”.
بينما تتوقع العزاوي أن يكون هناك حماسة بين المواطنين للمشاركة في هذه الاستحقاقات الانتخابية، وتتوقع أن تتجاوز نسبة المشاركة مشاركة الناخبين في 2016.
وأشار خمريش إلى أن المغرب يعيش تغيرا سياسيا كبيرا على مستوى التجربة الديمقراطية، مؤكدا أن المواطن المغربي يعي أهمية مشاركته في هذه الانتخابات، ويعي جيدا بأن صوته ممكن أن يقلب جميع الموازين، متوقعا أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة وأعلي من السنوات الماضية.
وفي العام 2011، أقرت المملكة في سياق الربيع العربي، دستورا يمنح الحكومة والبرلمان صلاحيات واسعة أقرب إلى معايير الملكية البرلمانية على النمط الأوروبي، مع الاحتفاظ بأدوار مركزية للملك.
رغم الصلاحيات الموسعة لرئيس الحكومة بقيت معظم القرارات الكبرى تصدر عن مبادرات ملكية في القطاعات الأساسية مثل الزراعة والطاقة والصناعة وتدبير المياه، من دون أن تتغير بالضرورة بتغير الحكومات، بحسب فرانس برس.
يدخل حزب العدالة والتنمية المعركة الانتخابية، وفي رصيده عشر سنوات من التدبير الحكومي، ليست كلها مشرفة، لا سيما في ولايته الحكومية الثانية بقيادة سعد الدين العثماني. فقد بدا وكأنه منفذ لأوامر وتعليمات الدولة العميقة، وحتى ولو على حساب مرجعية وهوية ومصداقية الحزب (قانون فرنسة التعليم أو التطبيع أو تقنين الكيف…). علاوة على استغراق الحزب في التدبير، مركزياً ومحلياً، على حساب التنظيم، ما فاقم المشاكل التي عجلت باستقالة المئات من المناضلين، وحل فروع الحزب في بعض المواقع.
ويأمل خصوم الحزب، بمن فيهم الفرقاء الذين شاركوه تسيير الحكومة خلال السنوات الماضية، طي صفحة الإسلاميين. لكن هذه المنافسة تجري من دون بروز استقطابات سياسية واضحة حول البرامج والاختيارات.
مهما كانت هوية الحزب الذي سيفوز بالانتخابات ويشكل الحكومة المقبلة، من المنتظر أن تتبنى جل الأحزاب السياسية ميثاقا من أجل “نموذج تنموي جديد”، يدشن “مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات”، وفق ما أكد الملك محمد السادس في خطاب مؤخرا.
يحدد هذا النموذج، الذي أعدته لجنة خبراء كان عينها الملك، الاختيارات الكبرى لإطلاق عجلة الاقتصاد وتقليص الفوارق الاجتماعية العميقة في المملكة في أفق العام 2035. وهو ما يقلل أكثر من أهمية الانتخابات في تحديد توجهات الحكومات المقبلة، وفق بعض المحللين.
في هذا الصدد يعتبر أستاذ العلوم السياسية محمد شقير أن النموذج التنموي الجديد “حسم الاختيارات الكبرى”، ويجعل من الانتخابات المقبلة مجرد “آلية لإفراز نخب سياسية جديدة قادرة على تفعيله”.
بدوره يرى المحلل السياسي مصطفى السحيمي أنه “تحول نوعي (…) لكنه يفرض على الأحزاب تبني برامج متشابهة ما يفاقم التباعد بين الناخبين والمؤسسات”.
في المقابل يوضح الطوزي وهو أيضا عضو اللجنة التي أعدت النموذج التنموي الجديد أن هذا المشروع “يحدد الاختيارات الاستراتيجية فقط ولا شيء يمنع الأحزاب السياسية من إعادة ترتيب الأولويات”، مذكرا أن هذه الوثيقة “لم تأت من فراغ بل ساهمت فيها الأحزاب السياسية أيضا”.