خمسة عشر عامًا مرت على إنشاء “الاتحاد من أجل المتوسط”، الذي ساهمت المغرب مع فرنسا في تأسيسه؛ ليضم 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي و15 دولة من الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بغية تطوير وتعزيز التعاون المشترك والحوار البناء بين دول ضفتي المتوسط شمالًا وجنوبًا حيال العديد من القضايا ذات الأولوية المتقدمة لدول المنطقة.
يحتضن مجلس النواب المغربي يومي 15 و16 فبراير 2024 بالرباط الدورة السابعة عشرة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط والقمة الثامنة للرؤساء، فضلا عن اجتماعات المكتب والمكتب الموسع واجتماعات اللجان.
وسيتدارس المشاركون خلال هذه الاجتماعات الأوضاع في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ودور الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط في التعاون الأورو-متوسطي في القرن الواحد والعشرين، كما سيتم الاستماع ل”نداء المستقبل” الموجه من طرف طلبة الجامعة الأورو-متوسطية بفاس، والمصادقة على تقارير وتوصيات اللجان الدائمة ومجموعة العمل، قبل أن يتم تسليم الرئاسة الدورية للجمعية للضفة الشمالية للمتوسط وتحديدا لمجلس النواب الإسباني.
ويعتبر مجلس النواب بالمملكة المغربية من بين مؤسسي الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، ويحظى برئاستها منذ أبريل 2022، كما سبق له احتضان عدد من دوراتها واجتماعات لجانها الدائمة.
وتمثل الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط فضاء للحوار والتعاون المتوسطي، تلتئم في جلسة عامة مرة واحدة على الأقل في السنة، وتضم ممثلين من بلدان الاتحاد الأوروبي المنتخبين وشركائهم من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، يبلغ عدد أعضائها 280 عضوًا يمثلون 43 برلمانا من أصل 42 بلدا إضافة للبرلمان الأوروبي، موزعون بشكل متساو بين ضفتي المتوسط.
وتضم الجمعية خمسة لجان دائمة هي لجنة الشؤون السياسية والأمن وحقوق الإنسان، ولجنة تجويد نوعية الحياة والمبادلات بين المجتمعات المدنية والثقافة، ولجنة حقوق المرأة في الدول الأورو-متوسطية، ولجنة الشؤون الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتعليم، ولجنة الطاقة والبيئة والماء؛ فضلا عن مجموعة العمل المكلفة بتمويل الجمعية ومراجعة النظام الداخلي؛ وينسّق المكتب أعمال الجمعية ويمثلها، ويضم المكتب الموسع فضلا عن أعضاء مكتب الجمعية رؤساء اللجان الدائمة ورئيس مجموعة العمل.
على مر السنين رسخ الاتحاد من أجل المتوسط نفسه كإطار رائد متعدد الأطراف في المنطقة الأورومتوسطية على رغم التحديات التي يفرضها الوضع الإقليمي والدولي المضطرب. وحظي أكثر من 60 مشروعاً بدعم وإجماع دول الاتحاد البالغ عددها 43 دولة. ويستفيد من هذه المشاريع، التي تبلغ كلفتها الإجمالية 5 مليارات يورو، أكثر من 10 ملايين شخص بشكل مباشر، إضافة إلى نحو 100 مليون آخرين بشكل غير مباشر وفقاً للتقديرات، كما عمل الاتحاد جاهداً من أجل توفير فرص العمل والدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز التواصل بين الدول، فضلاً عن الاستجابة لحالات الطوارئ البيئية والمناخية الملحة.
وعلاوة على ذلك أعطى الاتحاد من أجل المتوسط الأولوية لخطط المنح والمشاريع لدعم ريادة الأعمال وفرص العمل، وساعدت المبادرة المتوسطية للتوظيف “Med4Jobs” في زيادة فرص العمل للشباب والنساء، وبغية تسليط الضوء على الثراء الثقافي للمنطقة أطلق الاتحاد أيضاً مبادرات لتعزيز التنوع والحوار والتفاهم المتبادل بالتعاون مع مؤسسة “آنا ليند” للحوار بين الثقافات.
ويدعم الاتحاد من أجل المتوسط برامج تعزيز نظم التعليم العالي والتركيز على المشاريع الموجهة للشباب، إذ من المنتظر تسجيل 3 آلاف طالب في عام 2024 بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، وهي مؤسسة أكاديمية رائدة تقوم على تعليم جيل جديد برؤية أوروبية متوسطية فريدة. وإدراكاً لإمكانات الشباب كعناصر فاعلة للتغيير الإيجابي، أجرى وزراء خارجية الاتحاد نقاشاً مثمراً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع ممثلي الشباب، الذين أبرزوا توصياتهم وتوقعاتهم لمستقبل منطقتنا المشتركة. ومن ناحية أخرى يعمل الاتحاد من أجل المتوسط أيضاً على تسريع الاستثمارات في الاقتصاد الأزرق، الذي يحتوي على إمكانات هائلة لتحفيز كل من النمو الاقتصادي والاستدامة في حوض المتوسط.
ويمتلك الاتحاد من أجل المتوسط القدرة الفريدة على حشد مجموعة واسعة من الأطراف (الأوساط الأكاديمية، والمجتمع المدني، والشباب، إلخ) من جميع دول المنطقة، إذ تجمع منتديات الخبراء التي ينظمها الاتحاد سنوياً أكثر من 8 آلاف من الأطراف الفاعلة في مجتمعاتنا وتشهد تبادلاً ثرياً للأفكار ولأفضل الممارسات. إن نموذج العمل في الاتحاد من أجل المتوسط الذي يضع الشمال والجنوب على قدم المساواة، ويستند إلى مبدأ الإجماع، يمكن أن يعزز من مبدأ ملكيتنا المشتركة لهذا الإطار من التعاون.
يحتاج الاتحاد إلى التزام مستمر من أعضائه لتحقيق أهدافه المتمثلة في إنشاء منطقة متوسطية قادرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لذا نعمل جنباً إلى جنب مع جميع الأعضاء لمنحهم القدرة اللازمة لتقديم المزيد والأفضل والتأثير بصورة أكبر. وبينما يحمل المستقبل القريب للمنطقة عدداً من التحديات، إلا أننا نعتقد أن الاتحاد من أجل المتوسط يشكل الأداة المناسبة لمواجهتها معاً.