قد يبدو أن استخدام عبارة تحديات في هذا المقام، من باب الإيحاء بالعجز، أو التلميح إلى انتفاء سبل الحيلة من بين يدي من هم مادة ومكمن العبارة، ونعني بهم تحديدا “حكومة التجمع الوطني للأحرار”، بعضا مما يرفع اليوم بوجه حكومة أخنوش من تحديات ومشروع قانون المالية لسنة 2022 الذي وضعه محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أحد كوادر حزب “الأحرار”، ومن المفترض أن يتم إيداعه بالبرلمان في 20 أكتوبر الجاري على أكثر تقدير، وفق ما ينص على ذلك القانون.
وضع وزير الاقتصاد والمالية السابق من أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022 الشروع في “الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة وفقا لمقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية وضمان تمويل هذا الإصلاح الاجتماعي وخاصة تعميم التعويضات العائلية”، وعلى إجراءات إصلاحية في صندوق المقاصة (دعم حكومي) ونفقات الموظفين والصحة والتعليم وتعزيز المشاريع الاستثمارية وتعميم الحماية الاجتماعية. وهذه الإجراءات ستحتاج إلى تخصيص اعتمادات إضافية تصل 2.3 مليار دولار سنة 2022.
في هذا الصدد، قال عثمان مودن، رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، إنه من الضروري أن تطرأ على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة كما أعدته الحكومة المنتهية ولايتها بعض التعديلات والتغييرات، حتى يتماشى مع الهيكلة والهندسة الحكومية الجديدة التي شهدت تفكك قطاعات وزارية.
وأضاف في تصريح لخوقع هسبريس، أنه ينبغي إيداع هذا المشروع بالبرلمان (مجلس النواب) في 20 أكتوبر على أكثر تقدير، وإن تعذر على الحكومة ذلك، فعلى الأقل ألا تتجاوز هذا التاريخ بشكل كبير حتى لا يؤثر ذلك على المدة الزمنية المخصصة للبرلمان لمناقشة المشروع والمحددة في 58 يوما (موزعة بين مجلس النواب 30 يوما ومجلس المستشارين 22 يوما و6 أيام للقراءة الثانية من لدن مجلس النواب.
وبخصوص الجزاء القانوني المترتب عن عدم قيام الحكومة بإيداع مشروع قانون المالية لسنة 2022 قبل التاريخ المحدد والحلول الممكنة، أوضح رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية أن المادة الـ48 من القانون التنظيمي للمالية حددت الأجل الأقصى لإيداع المشروع بمكتب مجلس النواب دون أن ترتب الجزاء المفترض عن مخالفة الحكومة لهذا الأجل، وأن أكثر ما يمكن للبرلمان القيام به هو التمسك بالمدة القانونية المخولة له لمناقشة المشروع كاملة (58 يوما) حتى وإن عرض عليه في نونبر أو دجنبر.
وأورد مودن أنه وفي حالة عدم التصويت على مشروع قانون المالية في الـ31 من دجنبر لأي سبب كان فإن الحكومة يمكنها اللجوء إلى تفعيل المادة الـ50 من القانون التنظيمي للمالية والفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل الـ75 من الدستور كما حدث مع قانون المالية لسنة 2017، بسبب تعثر مفاوضات تشكيل حكومة بنكيران الثانية، وتأخر المناقشة والتصويت عليه آنذاك واضطرار الحكومة إلى إصدار مرسومي فتح الاعتمادات اللازمة لتسيير المرافق العمومية وتحصيل المداخيل العمومية.
في شهر يونيو الماضي قال بنشعبون الأربعاء الماضي خلال تقديمه لعرض حول “تنفيذ ميزانية سنة 2021 وإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2022” بالبرلمان المغربي ، إن المرحلة الأولى ستكون خلال سنة 2022 سيتم فيها التحرير التدريجي للسكر والتقليص من الحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح اللين.
وبخصوص المرحلة الثانية، يضيف بنشعبون: “ستكون سنة 2023 حيث سيتم فيها التحرير الكلي للحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح اللين والسكر القالب والسكر المجزء و50 في المئة من غاز البوتان”.
كما أكد أن “المرحلة الأخيرة ستكون سنة 2024 سيتم من خلالها التحرير الكلي لغاز البوتان”.
وزاد المسؤول الحكومي أنه “من بين أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022 توطيد أسس إنعاش الاقتصاد الوطني وتعزيز آليات الادماج وتعميم الحماية الاجتماعية وتقوية الرأسمال البشري وإصلاح القطاع العام وتعزيز اليات الحكامة”.
كما يطمح مشروع قانون مالية 2022 إلى “توسيع الوعاء الضريبي وتحسين التحصيل في إطار تنزيل مقتضيات القانون الإطار المتعلق بإصلاح النظام الجبائي وإرساء مولرد ضريبية جديدة لتمويل تعميم الحماية الاجتماعية ومواصلة تطوير التمويلات المبتكرة”.
ضرب للقدرة الشرائية للمواطنين
وتساءل مراقبون حول عواقب هذه الخطوة التي تعتزم حكومة العدالة والتنمية برئاسة سعد الدين العثماني الإقدام عليها في موازنة السنة المقبلة، وإن كانت ستوفر بدائل ملموسة لتعويض الفئات التي قد تتضرر من رفع الدعم عن هذه المواد الأساسية.
في تعليقه على هذه الخطة، اعتبر رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن “رفع الدعم عن المنتوجات الأساسية يضع المواطن وجها لوجه مع التقلبات الإقتصادية ويرمي به بين براثن الشركات؛ وهو ما يضع قدرته الشرائية على المحك، ويجعله رهينا بتغيرات السوق وعرضة لعدد من المؤشرات البعيدة عنه”.
وأضاف في تصريح سابق: “الإقدام على هذه الخطوة هو اتباع لليبرالية متوحشة وتنزيل مخططات المؤسسات الدولية المانحة، دون دراسة عواقبها”.
وعوض ذلك، اقترح أستاذ العلوم السياسية، أن تقوم الحكومات القادمة بفتح مرحلة جديدة، تؤدي إلى انفراج اجتماعي على جميع الأصعدة، وتؤسس لمرحلة المحاسبة ومواجهة مخلفات القرارات الخاطئة التي اتخذتها سابقاتها”.
وخلص لزرق إلى “ضرورة محاسبة الحكومة التي انتهت ولايتها، لما تسببت فيه من تراجع اقتصادي وإفلاس مالي وجعل البلاد في وضعية تبعية ومديونية”.