تحرّك حكومة “أخنوش” بسرعة لسحب “مشروع محاربة الإثراء غير المشروع من البرلمان” بعد 4 أعوام من العرقلة

0
283

لم تُهدر حكومة “الملياردير عزيز أخنوش” أي وقت، بعد خمسة اسابيع اسقطت مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع الوارد ضمن تعديلات مشروع القانون الجنائي المتعثر داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، منذ منتصف عام 2016،

تحرك الحكومة بسرعة بعد أسابيع  قليلة على مباشر مهامها خلفا للحكومة التي كان يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، لضمان حماية مصالح  “الباطرونا”بالكامل من قبل الإدارة الجديدة، وذلك بطلب من رئيس مجلس النواب، سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي، الذي أحالته على البرلمان حكومة عبدالإله بنكيران السابقة، في 24 يونيو 2016.

منذ ذلك التاريخ، ومشروع قانون “من أين لك هذا؟” حبيس أدراج لجنة العدل بمحلس النواب، رغم تعاقب حكومتين، الأولى برئاسة عبد الإله بنكيران، والثانية يترأسها سعد الدين العثماني. وبحسب عبد الصمد الإدريسي، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، فإن “مشروع القانون متوقف عند التعديلات في لجنة العدل، وهي المرحلة ما قبل الأخيرة من أجل التصويت عليه من قبل الفرق النيابية”.

واختارت حكومة “أخنوش” سحب مشروع القانون المشار إليه آنفاً، وفق ما أعلن عنه الإثنين في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، وذلك بخلاف حكومة سعد الدين العثماني التي كان لها رأي آخر، ولم تقم بسحبه إلا أنه لم يراوح مكانه، وعرف “بلوكاجا” وجدلا بين الفرقاء السياسيين، دون أن يرى النور.

وكان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، أكد أن حزب العدالة والتنمية “لن يغير موقفه من تجريم الإثراء غير المشروع“، وأوضح أن “عدم المصادقة على مشروع ظل في البرلمان لمدة أربع سنوات، لتضمنه مادة تجرم وتعاقب الإثراء غير المشروع، يوحي وكأن الإرادة السياسية غير متوفرة”.

وكان وزير العدل السابق، محمد بنعبد القادر، قال خلال حضوره للبرلمان في فبراير 2020، إن تعثر مشروع القانون الجنائي وعدم إخراجه إلى حيز الوجود هي مسألة طبيعية، لكونه الأداة المعيارية الأساسية في الضبط الاجتماعي.

وأضاف بنعبد القادر في جواب حول أسباب بلوكاج مشروع القانون الجنائي، بجلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، أنه “من الطبيعي أن يأخذ المشرع الوقت الكافي لإنضاج التوافقات اللازمة بخصوص النقاط الخلافية فيه”.

وشدد وزير العدل آنذاك، على أن الحكومة ،“لم يسبق لها أن ناقشت هذا القانون نهائيا، منذ تشكيلها بتاريخ 5 أبريل 2017″، مضيفا أن الحكومة عدّلت ولم يتبق منها إلا 13 وزيرا، فهي هكذا حكومة جديدة متجددة، من حقها أن تحاط علما بهذا القانون، وأن تطلع على محتوياته، لتتخذ القرار المناسب لاستكمال مسطرة التشريع”. 

ويتساءل المغاربة حول من يعرقل إقرار القانون؟ وهو ما يجيب عنه الغلوسي بالقول: “هناك تلكؤ ومحاولة للتصدي لنص من شأنه المساهمة في محاربة الفساد، ما يعكس قوة اللوبي المناهض لأي تحول بالبلد”، مضيفا: “يخاف هؤلاء على المصالح والثروة التي تراكمت بطرق غير مشروعة ويقاومون كل الخطوات التي من شأنها أن تسد منابع الفساد”. 

وتعد جريمة الإثراء غير المشروع جديدة ضمن مشروع القانون الجنائي وتطبق على الموظفين ممن يخضعون للتصريح الإجباري بما يمتلكون، وعددهم 110 آلاف موظف، ويبين تعثرالمشروع، مدى غياب الإرادة السياسية بسبب عدم الجدية في إنجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتباطؤ في تشريع النصوص اللازمة وعرقلة المصادقة البرلمانية على مشروع القانون، وعدم امتلاك الجرأة لمواجهة كل من تسول له نفسه بأن يجعل منصبه أو مسؤوليته وسيلة للثراء، بحسب حديث سابق للدكتور رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، قائلا: “الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، تهدران الوقت في اللغط والجدال حول المشروع، وانقسام الأغلبية الحكومية يظهر جليا عدم جدية تلك الأحزاب في مواجهة هذه المعضلة”. 

وبحسب تقرير مقياس الفساد العالمي، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2019، فإن 53% من المغاربة يرون أن الفساد قد تفاقم خلال فترة المقياس التي شملت العام الماضي، كما أن 74% رأوا أن أداء الحكومة ضعيف في مكافحة الفساد. 

وقال محمد الباكير، أستاذ القانون الجنائي، في حديث  سابق لـ”القدس العربي” إن الجرائم المالية المرتبطة بتدبير الوظائف العامة، الموصوفة عامة بجرائم الفساد، “تتميز بكونها من الجرائم الخفية العصية على الضبط، وذلك لكونها على العموم تتم في الخفاء باتفاق أطراف النشاط جميعا على تحري المنافع خارج المنظومة القانونية؛ فهي (باستثناء الاختلاس) جرائم (رضائية) يندر أن تعثر فيها على ضحية بالمعنى التقليدي، ومن ثم فلا يمكن الاتكال في فضحها على شكاية الأطراف الضالعين فيها”.

وهي جرائم وفق المحامي بهيئة الدار البيضاء “موجهة بالأساس إلى تجنب قنوات النظم الشرعية القانونية وتعتمد مسالك موازية، يُستغل فيها النفوذ الإداري أو السياسي أو القضائي خارج الضوابط الشرعية لتحصيل مصالح تبادلية، ومن ثم فلا يمكن محاربتها باستحضار الضرر الشخصي المباشر، وإنما باستحضار الاضطراب الشامل الذي تسببه للتوازنات العامة. من هنا كانت حساسية هذه الجرائم وخطورتها وصعوبة تدبيرها”.

وأشار الباكير إلى أنه “مرت عقود من الزمن، لم تر الدولة المغربية من سبيل إلى محاربة هذه الظاهرة إلا من خلال نصوص يتيمة في القانون الجنائي تتعلق بالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ، وقد أبرزت التجربة التاريخية أنها ظلت عاجزة عن تحقيق الغايات المرجوة منها؛ فكيف نعتمد على الإدارة والقضاء في التتبع والتنقيب والتحري ومحاربة أنشطة تتم داخل الإدارة والقضاء؟”.

وتابع القانوني قائلا: “أثبتت المقاربة التقليدية القائمة على الكشف عن الفساد من خلال التنقيب عن أفعاله المادية عجزها في المغرب، فكان لا بد من اعتناق مقاربة أخرى تروم الكشف عنه من خلال معاينة آثاره الواقعية التي لا تنفصل عنه بالضرورة”.

وأضاف: “لن أنكر أن حصر الآثار المعلنة عن استغلال النفوذ والسلطة خارج إطار القانون في الإثراء قاصر عن محاصرة كل حالاته، لكني أعتقد أن كشف الغطاء عن الإثراء غير المبرر قادر على فضح أغلب حالت الفساد بالتأكيد”.

ويرى الباكير أن فكرة تجريم الإثراء غير المشروع لدى كل الملزمين بالتصريح بالممتلكات من أجل اعتلاء مناصب إدارية أو تمثيلية، ولدت هكذا، “وقد حرصت وزارة العدل على إدراجها في الصيغة الأخيرة لمشروع تعديل القانون الجنائي المعدة بين سنتي 2014 و2015 بيد أن هذا الاقتراح لم يستطع الإجابة عن عدد من الأسئلة الجوهرية، كما لم يكن كافيا لتبديد كثير من التخوفات، علاوة على عجزه الحقيقي عن مجابهة بؤر المقاومة التي تطرح سؤالا جديا حول توقعات نجاعته في محاربة ظاهرة الفساد”.

وخلص إلى أن “المغرب لا يحتاج إلى مزيد من النصوص الجنائية، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة موزعة بين الإداري والمدني والسياسي ثم الجنائي، ملتفة حول بناء مؤسساتي فعال، ومؤطرة بالمبادئ الدستورية والحقوقية العامة”.

ويرى خبراء أن إرادة محاربة الفساد في المغرب هشة، فتعيين رئيس الهيئة كان في 2018 والمشروع لم يحل علينا في 2020 إذن نحن أمام هدر زمني وأمام هدر الفرص، لأن المغرب مع الأسف بلد الفرص الضائعة. وأوضحوا أن الفساد هو من أسقط عدة أنظمة في منطقتنا وعلى رأسها نظام بنعلي في تونس ومبارك في مصر، حيث كانت سنة 2011 عنوانا بارزا لتهاوي الأنظمة بسبب الفساد، وحتى اليوم من أخرج الناس في الجزائر والسودان هو الفساد لأنه مهدد الاستقرار المؤسساتي.