يشكل المغاربة الذين يعيشون في خارج البلد، والذين يطلق عليهم غالبًا “مغاربة العالم” (Marocains du monde – MDM) ، جزءًا مهمًا من المناقشات في السياسة المحلية ، حيث لا يزال العديد منهم في الخارج يحتفظون بصلات وثيقة مع بلدهم الأصلي.
رغم ارتفاع أعداد مغاربة الخارج إلى 6.5 مليون لا يمكن للمغاربة القاطنين بالخارج الترشح في الانتخابات البرلمانية لأن الحكومات المتالية رفضت مسألة تمثيل مغاربة الخارج بالمؤسسة التشريعية .
لقد شهدت هذه الفئة من المواطنين، التي أصبحت تعرف باسم “مغاربة العالم” (MDM)، تطورًا في وضعيتها، بحيث أصبحت تتميز اليوم بتنوّع مناطق تمركزها في شتى بقاع العالم وتأنيث تشكيلتها، وذلك بفضل الاستراتيجيات الفردية للنساء، اللواتي أصبحن يمتلكن مستويات جد عالية من الكفاءة والتعليم. تتميز جالية مغاربة العالم (MDM) بكونها تتشكل في معظمها من فئات الشباب (من حيث التصنيف الديموغرافي)، ويتمتع أفرادها بمهارات وكفاءات عالية في مختلف المجالات، فضلاً عن مساهمتهم المالية المعتبرة في الاقتصاد الوطني، بمتوسط سنوي قدره 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بما يجعلها تتبوأ المرتبة الأولى في جدول الإيرادات، تفوق حتى المساعدات العمومية الخاصة بالتنمية والاستثمار الأجنبي المباشر.
في هذا السياق ، قال مكتب الصرف بأن تحويلات الأموال الصادرة عن المغاربة المقيمين بالخارج بلغت أزيد من 35,42 مليار درهم عند متم أبريل 2023، مقابل 31,39 مليار درهم قبل سنة.
وأوضح المكتب، في وثيقة حول المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية لشهر أبريل المنصرم، أن هذه التحويلات سجلت ارتفاعا بنسبة 12,8 في المئة (زائد 4,03 مليار درهم) مقارنة بأبريل 2022.
وعلاوة على ذلك، أبرز المكتب فائضا في رصيد مبادلات الخدمات، الذي سجل ارتفاعا بأزيد من 20,18 مليار درهم. ويأتي هذا التزايد نتيجة لارتفاع الصادرات (بزائد 44 في المئة أي ما يعادل 77,54 مليار درهم)، يفوق تزايد الواردات (بزائد 10,9 في المئة أي ما يعادل 35,85 مليار درهم).
فمثل هذه الخصائص قد أثارت اهتمام السلطات السياسية منذ عقود من الزمن، وجعلتها تضع استراتيجيات وأطر مؤسسية متنوّعة، الهدف منها تعبئة موارد ومهارات مغاربة العالم، ولا سيّما المالية منها والتكنولوجية. يتعلق الأمر هنا بتعزيز مشاركة المهاجرين في بلدهم الأصلي والنهوض بها من خلال “التعبئة”، التي تعني في هذا المجال، المبادرات الحيوية التي تتخذها الدولة لصالح أفراد جاليتها المقيمة في الخارج، وبالفعل فقد استخدم المغرب طرق مختلفة تُعبِد الطريق لانخراط الجالية في تنمية البلاد. ومع ذلك، رغم الفاعلية النسبية التي مَيّزت الممارسات الرامية إلى إشراك أفراد الجالية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي بدت نشطة، بفعل تحفيزات من هنا وهناك، إلا أن المشاركة السياسية العملية لا تزال متجمدة ومحل جدال منذ تجربة تسعينيات القرن المنصرم. وهذا ما يؤكده نموذج التنمية الجديد الذي يستمر في التقليل من شأن المشاركة الكاملة للجالية المغربية المقيمة في الخارج، في مجال السياسة العامة.
وفي ظل غياب إطار مؤسسي واضح يتيح للجالية التمثيل الشرعي وتوفير مجال تدخل محدد المعالم، ستبقى مسألة مشاركة الجالية المغربية في السياسات العامة معلقة.
وكان الاهتمام بأفراد الجالية المغربية واضحاً على الدوام، باعتبارهم مصدر تمويل ولا زال الأمر كذلك. ومنذ وقت مبكر جدًا، وضع النظام المتبع من قِبل السلطات، في متناول الجالية، شبكة من الوكالات المتواجدة في القنصليات والسفارات المغربية في البلدان التي يوجد فيها حضور قوي للمهاجرين من أصل مغربي.
ورصد تقرير «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب»؛ (مؤسسة دستورية استشارية)، تصورات مغاربة العالم وآراءهم وانتظاراتهم، استناداً إلى استشارة أطلقها المجلس على منصته الرقمية «أشارك» في أكتوبر (تشرين الأول) 2022. ووفق نتائج الاستشارة؛ فإن أزيد من ثلثي المستطلعة آراؤهم؛ أي 65.22 في المائة، وصفوا علاقتهم بالمغرب بالقوية.
وتتجسد هذه العلاقات في شكل روابط شخصية وعائلية عبر: الزيارات المنتظمة للأهل والعائلة (3.94 في المائة من المستجوبين)، والاحتفال بالمناسبات الدينية والعائلية (37.3 في المائة من المستجوبين)، أو إقامة ثانوية أو لفترات بالتناوب مع بلد الاستقبال (24.4 في المائة). كما تتخذ هذه الروابط صبغة مهنية على شكل استثمارات (34 في المائة من المستجوبين)، ثم التجارة (19.32 في المائة)، أو العمل لدى مقاولات أو في إطار مشروعات التعاون (11.69 في المائة). أما باقي أنواع الروابط؛ فهي تتعلق بالأنشطة الثقافية والسياحة، وكذا الأنشطة المتعلقة بالتضامن.
وعبر ثلث المغاربة المستجوبين عن أنهم «مستعدون للاستقرار في المغرب خلال السنوات المقبلة». كما أكد 19 في المائة من هؤلاء الشباب المستجوبين أنهم يعتزمون الاستثمار في مشروعات تنموية بالمغرب، غير أن أغلبهم ليس لديهم أي مشروع للعودة أو الاستثمار في المغرب.
وعلى الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته جودة الاستقبال وآجال الخدمات القنصلية، فقد عبر مغاربة المهجر عن إحساسهم بعدم الرضا إلى حد ما عن السياسات العمومية للبلاد بشكل عام؛ والخدمات الموجهة إليهم على وجه التحديد. ولاحظ التقرير أنه إذا كانت هذه النسبة المهمة تعكس متانة الروابط بين مغاربة العالم وبلدهم الأصل، فإن الطابع الهيكلي لمساهمتهم في التوازنات الماكرو – اقتصادية للبلاد ينطوي على تحديات كبرى؛ لأن هذه التدفقات المالية وآفاق تطورها تصطدم بمخاطر الاستدامة، خصوصاً في ضوء شدة الصدمات الاقتصادية وتواليها؛ كما يتعين التساؤل عن مدى قدرة المغرب على توجيه تلك التحويلات نحو أنشطة إنتاجية واستثمارات طويلة الأمد.
ومما يضفي أهمية أكبر على هذه التساؤلات؛ وفق التقرير، تنامي مناخ معاداة ظاهرة الهجرة في العديد من بلدان العالم، وكذا التغيرات التي طرأت مع تعاقب الأجيال.