تصريحات الوزير بنسعيد: تحليل عميق لملفات التعايش والفساد والاختلالات في التواصل الحكومي

0
132

في لقاء نظّمته مؤسسة الفقيه التطواني، قدّم محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل وعضو القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، تصريحات مثيرة للاهتمام تتناول قضايا مختلفة تمسّ المشهد السياسي والاجتماعي بالمغرب. من التعايش كمبدأ استثنائي، إلى محاربة الفساد كأولوية مؤجلة، وصولًا إلى أزمة التواصل الحكومي، حملت تصريحاته دلالات تحتاج إلى تفكيك وتحليل عميق.

التعايش: قيمة مغربية أم ورقة سياسية؟

تحدث بنسعيد عن التعايش بوصفه ميزة مغربية تستحق الإشادة، معتبرًا أن النموذج المغربي يُعد استثنائيًا عالميًا. وأشار إلى أن المغرب يمكن أن يكون جزءًا من الحل في القضية الفلسطينية نظرًا لتجربته التعايشية التي تجمع مكونات المجتمع.

لكن هل تكفي هذه التصريحات لإقناع المتابعين، في ظل سياسات داخلية تثير تساؤلات؟ خذ على سبيل المثال قضية مجلة “ميمونة”، التي تعنى باليهود المغاربة والتي تعرّضت للتهميش والإقصاء من قبل وزارة الثقافة التي يشرف عليها بنسعيد. كيف يمكن التوفيق بين الخطاب الداعي للتعايش والإقصاء الممنهج لمبادرات تسعى لتكريس هذا التعايش؟

التواصل الحكومي: هل يعالج الأزمة أم يعمّقها؟

عندما طُرح عليه سؤال حول أزمة التواصل الحكومي، بدا الوزير وكأنه ينأى بنفسه عن هذا الملف، محيلًا الأمر إلى جهات أخرى بالحكومة. إلا أن تصريحاته تضمنت اعترافًا ضمنيًا بوجود مشكلة بنيوية في كيفية إدارة الحكومة لعلاقتها مع الإعلام والمواطنين.

لكن، هل كان هذا الاعتراف كافيًا؟ أم أن تصريحات الوزير بدت كنسخة مكررة من تبريرات مألوفة مثل “خروجنا من أزمة كوفيد”، و”التعامل مع الجفاف”، و”الحرب في أوكرانيا”؟ وهل يمكن اعتبار هذا النوع من الخطاب استجابة لتطلعات المواطنين الذين يطالبون بمزيد من الشفافية والوضوح في التواصل الحكومي؟

محاربة الفساد: هل هي أولوية فعلية؟

من الملفات البارزة التي أُثيرت في اللقاء كان موضوع محاربة الفساد، خاصة بعد تقهقر المغرب في مؤشر إدراك الفساد. ووجه الصحفيون تساؤلات حادة حول تقليص ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وعدم عقد أي اجتماع لهذه الهيئة منذ سنوات.

لم يقدم الوزير أجوبة شافية حول هذا الموضوع، مكتفيًا بالإشارة إلى التحديات التي تواجه الحكومة. فهل يمكن اعتبار هذه الإجابات مؤشرًا على نقص الإرادة السياسية لمعالجة الفساد بجدية؟ وهل تسعى الحكومة بالفعل إلى “نزع أنياب” الهيئات الدستورية والمجتمع المدني التي يمكن أن تسهم في كشف قضايا الفساد؟

بين الإنجازات والتحديات: خطاب الحكومة المكرر؟

في دفاعه عن أداء الحكومة، تحدث بنسعيد عن الإنجازات في ملفات الماء والتشغيل، مشيرًا إلى أن التنسيق بين المجالس الجهوية والقطاعات الحكومية يسير في الاتجاه الصحيح. لكنه في الوقت نفسه اعترف بأن الإشكاليات الموروثة من الحكومات السابقة تزيد من تعقيد الأوضاع.

يبقى السؤال هنا: إلى متى ستظل الحكومة الحالية تستخدم أزمات الماضي كذريعة لتبرير التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات؟ وهل يقتنع المواطنون بمثل هذه الخطابات في ظل غلاء المعيشة وتدهور الثقة في المؤسسات؟

الخلاصة: خطاب للتسويق أم لمعالجة المشاكل؟

تصريحات الوزير بنسعيد خلال اللقاء حملت وعودًا وتبريرات، لكنها كشفت أيضًا عن إشكاليات عميقة في الأداء الحكومي.

التعايش الذي يتحدث عنه الوزير يحتاج إلى أفعال تعزز مصداقيته، وأزمة التواصل الحكومي تحتاج إلى حلول تتجاوز الدفاع عن الوضع الراهن، أما ملف الفساد فيظل التحدي الأكبر الذي يختبر جدية الحكومة في تحقيق تطلعات المواطنين.

في النهاية، يتطلب الوضع الحالي وضوحًا أكبر في الخطاب السياسي، وخططًا ملموسة تُظهر أن الحكومة قادرة على مواجهة التحديات بدل الاكتفاء بتكرار الخطاب المألوف.