حكومة أخنوش تُحَمِّلْ حكومتي “البجيدي” السابقتين المسؤولية عن ملفات اجتماعية

0
224

دافع رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش عن حصيلة حكومته أمام البرلمان بمجلسيه (النواب والمستشارون) بعد مرور نصف عمر ولايتها، بتعليق فشل حكومة الكفاءات فشلها على حكومة حزب “العدالة والتنمية ” التي كان وزيراً فيها للفلاحة والصيد البحري.

وأمام عجز الحكومة الذريع في وضع السياسات العمومية المناسبة لمواجهة الازمات العديدة التي يتخبط فيها الوطن و المواطن، حملت حكومة رجل الأعمال التي يقودها عزيز أخنوش حكومتي حزب العدالة والتنمية الإسلامي (المعروف اختصارا بـ’البجيدي’ أو حزب المصباح) السابقتين المسؤولية عن عدة ملفات اجتماعية، في ما يبدو ردا على تصريحات سابقة لعبد الاله بنكيران هاجم فيها الحكومة واستبق تقريرها حول أدائها لمنتصف الولاية، مشيرا إلى أنها ستعمل على تعليق فشلها في عدة ملفات على شماعة الحكومتين السابقتين.

وتدور في الفترة الأخيرة سجالات حادة بين المتديين والعلمانيين حول تراكمات عقد من حكم الإخوان الذي انتهى بنكسة انتخابية مذلة في تشريعية 2019، خاصة في ما يخص الملفات الاجتماعي وأزمة شح المياه.

وحاول بنكيران النأي بحزبه عن المشاكل القديمة والمستجدة في عدة ملفات، ملقيا بالكرة في ملعب حكومة عزيز أخنوش، لكن أحزابا وشخصيات سياسية ذكرته بإخفاقاته حين كان رئيسا للحكومة وبفشل حكومة سلفه سعدالدين العثماني في معالجة الملفات ذاتها.

وتتهم حكومتي العدالة والتنمية الأولى والثانية بأنها وراء أزمة تدبير شح المياه لتعطيلها لاخفاقاتهما في تنفيذ برنامج بناء السدود وترشيد استهلاك المياه وهو ما أثر سلبا في الوقت الراهن على مخزون المياه في غمرة موجة جفاف ممتدة.

وحمل مصطفى بايتاس الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، الخميس مسؤولية تأخر قوانين الإضراب والشغل وغيرها من الملفات الحارقة لحكومتي حزب المصباح، مشددا في الوقت ذاته على أن الحكومة الحالية التي تولت مهامها في سبتمبر/ايلول 2021 تتخذ من الحوار الاجتماعي خيارا استراتيجيا.

ونقل عن بايتاس قوله أيضا إن لدى الحكومة “الإرادة السياسية لمعالجة مختلف الملفات التي هي على طاولة النقاش بين الحكومة والمركزيات النقابية”.

وقال إنه “لابد من الجلوس مع النقابات والاتفاق على الإصلاحات، لأنها ليست بسيطة بل إصلاحات عميقة في جوهرها”، مضيفا أن هذه الإصلاحات تمس “الدولة الاجتماعية والمقتضيات التي تتخذها الحكومة في المجال الاقتصادي  وإصلاح ملفات عمّرت طويلا، في طليعتها قانون الإضراب”.

وتابع أنه كان يفترض أن “تتم المصادقة على هذه القوانين التنظيمية خلال الولاية الحكومية الأولى التي تلي المصادقة على الدستور ونحن الآن في الولاية الثالثة”. وكان يشير بذلك إلى مسؤولية حكومتي العدالة والتنمية الأولى والثانية عن التأخير في المصادقة على تلك القوانين.

وشدد على أنه على الرغم من هذا التأخير فإن حكومة أخنوش تعمل على معالجة هذه الملفات وكان لها الجرأة في التعاطي البناء مع النقابات الأكثر تمثيلا في الحوار الاجتماعي.

وتولت حكومة عزيز أخنوش مهامها في ظرف صعب وأثقلت كاهلها أزمات متتالية بينها أزمة تفشي كورونا وتداعياتها الاقتصادية ولاحقا زلزال الحوز الذي طرح تحديات جديدة بينها إعادة الاعمار والتكفل بالعائلات المتضررة ثم توالي سنوات من الجفاف.

واعتبر بنكيران الأسبوع الماضي أن حكومة أخنوش خالفها النجاح وأن وزراءها يجتهدون في تعليق الفشل على الحكومات السابقة، في إحالة على ما يبدو لاتهامات سابقة طالت العدالة والتنمية.

وقال في ندوة صحفية بالرباط “الجميع يعلم المسار الذي أدى إلى تكوين هذه الحكومة والمؤامرات التي أدت إلى أن يهوي حزب العدالة والتنمية لهذه المرتبة”، مضيفا أن انتقال ‘البيجيدي’ وهي التسمية المختصرة بالفرنسية للحزب، من 125 إلى 13 نائبا “لم يمنعنا من لملمة جراحنا”.

وأشار إلى أنه رفض سابقا دعوات لرحيل حكومة أخنوش لأنها “ستكون ظلما للحكومة، وقلنا إنه إذا نجح رئيس الحكومة سيكون ذلك لفائدة الوطن، لكن يبدو أن النجاح لم يكن والاستفادة الشخصية هي التي كانت”.

كما اتهم الحكومة بالفشل في الوفاء بوعودها وبأنها لم تحسن تدبير الشأن العام ولا حل المشاكل كتلك المتصلة بقطاع الصحة والتعليم، مضيفا أن هناك “خيبات أمل متتالية والوزراء عدد منهم غير معروف، رغم ما قيل عن أنهم كفاءات دون أن يظهر ذلك”.

وحاول بنكيران إظهار أن حزبه لم يعمل على عرقلة عمل الحكومة وأنه حاول تجنب الصدام معها مع الحفاظ على معارضة محدودة في البرلمان وذلك من أجل اتاحة الفرصة لها للعمل، مضيفا لكن “التوفيق خالف هذه الحكومة، فلا الوعود أوفوا بها ولا الشرح والتواصل نجحوا فيه”.

حزب العدالة والتنمية ذو مرجعية دينية (المعارض) استبق الحكومة في تقييم حصيلتها المرحلية، وذلك في ندوة صحفية عقدها الأسبوع الماضي، وخلص إلى أنها “ضعيفة ومخيبة للآمال”، ذاكرا الإجراءات التي التزمت بها الحكومة في برنامجها في ما يتعلق بالمساهمة في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية.

بنكيران “حكومة الكفاءات خالفها النجاح وأن وزراءها يجتهدون في تعليق الفشل على الحكومات السابقة”

وقال الحزب المعارض إن حكومة أخنوش قامت بتنزيل مضطرب لورش تعميم الحماية الاجتماعية، حيث من لهم الحق في الاستفادة الفعلية من الخدمات الصحية في إطار نظام التأمين الأساسي الإجباري عن المرض حتى تاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2023 هم 10.22 ملايين شخص مقابل 18.44 مليونا كانوا يستفيدون سابقا من نظام المساعدة الطبية المجانية “راميد” حتى عام 2022.

وأشار “العدالة والتنمية” في الندوة ذاتها إلى فقدان مجموعة من الحقوق من الدعم الاجتماعي المباشر لدى الفئات التي كانت تستفيد منه سابقا بسبب مؤشر العتبة.

وانتقد الحزب عدم وفاء الحكومة بوعودها بإلغاء نظام التعاقد وزيادة 2500 درهم (نحو 250 دولارا) في أجرة أساتذة التعليم، مسجلا حدوث اضطرابات أدت إلى إضرابات بنسب ومدد غير مسبوقة أوقفت الدراسة في التعليم الأساسي وفي كليات الطب والصيدلة.

بدوره، قدم مرصد العمل الحكومي -وهو آلية مدنية لتتبع السياسات الحكومية- تقريرا عن حصيلة الحكومة ثمّن فيها عددا من البرامج التي قامت الحكومة بتنزيلها، ورصد عددا من الاختلالات، خاصة تلك التي تتعلق بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتدبير برامج التشغيل وعدم وضوح نتائجها، والامتناع الحكومي عن التدخل للحد من الانعكاسات الاقتصادية القوية لارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين.

وإلى جانب ما وصفه بـ”غياب الإرادة الفعلية” لدى الحكومة لمواجهة مختلف أشكال المضاربة والاحتكار التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الغذائية، خاصة المنتجات الفلاحية وانعكاساتها السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين.

تعتبر فترة عمل الحكومة بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 وأبريل/نيسان 2024 فرصة لتقييم الأداء الحكومي، وكان أخنوش قد أكد في مناسبات عدة على أن الحكومة التي يترأسها اجتماعية بامتياز، مما جعل البرامج التي أطلقتها حكومته موضع تقييم وتفاعل من المجتمع.

واعتبر محمد العمراني بوخبزة أستاذ العلوم السياسية في جامعة عبد المالك السعدي أن الأرقام والمؤشرات التي قدمتها الحكومة في حصيلتها تبدو “إيجابية وتعكس التزامها بتفعيل البرامج الاجتماعية، خاصة برنامج الحماية”، لكنه يرى في حديثه للجزيرة نت أن هذه المؤشرات والبرامج لم تنعكس على واقع المواطن المغربي.

وعزا المتحدث هذا التناقض إلى عدد من الأسباب، من بينها التضخم الذي لم يعد مسألة عابرة وتسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة، وهو الأمر الذي لم تكن الأسر المغربية مستعدة لمواجهته.

وأشار العمراني إلى أن التضخم كان له تأثير كبير على شريحة واسعة من المواطنين، ووصل إلى الطبقة المتوسطة، وقال “في الوقت الذي كانت الحكومة تشتغل على حماية هذه الطبقة وتوسيعها أثر التضخم عليها، وهو ما ظهر من خلال عدم قدرتها على الادخار، مما جعلها في وضعية تجرها نحو الهشاشة”، حسب وصفه.

وسجل المحلل السياسي إشكالات على مستوى تنزيل البرامج الاجتماعية، خاصة التغطية الصحية والسجل الاجتماعي، ولفت إلى أن المنهجية المعتمدة كانت “ارتجالية وغير موضوعية”، مما جعل العديد من الأسر في وضعية فقر وهشاشة خارج المستفيدين منها، مضيفا أن توالي الإضرابات في قطاعات مثل التعليم والصحة والجماعات الترابية كان له تأثير على السلم الاجتماعي.

من جهته، ذكّر المحلل السياسي محمد جدري بالظروف التي رافقت أداء الحكومة لمهامها، والتي اتسمت بحالة عدم اليقين على المستوى الدولي، وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، إلى جانب سنوات الجفاف المتوالية التي لم يشهدها المغرب منذ 30 سنة.

ودعا جدري إلى إطلاق حوار مجتمعي حقيقي بشأن الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وتجنب المقاربة أحادية الجانب التي اتبعتها الحكومة في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى الحاجة إلى نقاش مجتمعي لمواجهة معضلات، مثل البطالة التي بلغت مستويات قياسية، حيث وصلت نسبتها إلى 13% سنة 2023.

وأكد المحلل ذاته على أهمية العمل على خلق الثروة من خلال قطاعات واعدة، مثل صناعة الطيران والصناعات الغذائية والصناعة التقليدية لتوفير المزيد من فرص العمل.

ويرى العمراني بوخبزة أن حكومة أخنوش ستواجه تحديات كبيرة تتعلق باستكمال عدد من البرامج المهمة والقوانين، خاصة مدونة الأسرة وقانون الإضراب وقانون النقابات.

وبرأيه، فإن التحدي الأكبر يتعلق بالحفاظ على التماسك الحكومي، خاصة أن الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف ستكون عينها في النصف الثاني من الولاية على انتخابات 2026، وهو ما قد يدفع بعضها إلى ارتكاب أخطاء تضر بتماسك الأغلبية.