حكومة رجل الأعمال أخنوش تتحدى الشعب المغربي وتمضي في رفضها دعم المحروقات بحجة التخلي عن قطاعي الصحة والتعليم؟!

0
113

مع الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأساسية خاصة المواد البترولية، عاد إلى الواجهة نقاش بشأن إعادة الحكومة المغربية دعم المحروقات عبر النظام المعروف محليا بـ”صندوق المقاصة”، في ظل تباين في آراء أعضاء حكومة عزيز أخنوش ومحاولات لإشراك البرلمان بهذه المناورة.

أكدت حكومة رجل الأعمال “عزيز أخنوش”  أنها ماضية في رفضها دعم المحروقات “دون حرج في الأمر” و “دون أي خجل” وهذا رغم تنامي الاحتجاجات الشعبية الرافضة لإرتفاع الأسعار المهولة، التي يملكها معظمها رئيس الحكومة.

وقال المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة الرباط في أعقاب مجلس الحكومة الأسبوعي، إن الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات لحماية القدرة الشرائية للمغاربة، ومن ذلك تخصيص 22 مليار درهم لدعم البوطا، و8,5 مليار درهم لدعم الدقيق، إضافة إلى دعم الكهرباء والعمل على مستوى التغطية الصحية والحماية الاجتماعية.

و أضاف بايتاس : أن دعم مهنيي النقل بالمغرب الذي يعد البلد الوحيد في المنطقة الذي أقر هذه الآلية، سيكلف 5 مليار درهم مع نهاية العام، مؤكدا أن الحكومة لم تدعم أصحاب المأذونيات وإنما العربات المسجلة لدى الداخلية ولدى وزارة النقل فيما يتعلق بالشاحنات والنقل الطرقي.

وتابع يقول : أن العودة لدعم المحروقات، أبرز بايتاس أن دعم المحروقات بشكل مفتوح سيكلف 100 مليار درهم، وهذا المبلغ هو ميزانية التعليم والصحة للسنة المقبلة، وهو ما يعني أن الدعم سيفرض التخلي عن القطاعين.

وسجل الوزير أن عجز الميزانية المفروض أن يكون مهولا، لكن الحكومة حافظت عليه في مستويات محدودة، مبرزا أنها بين نارين؛ مواجهة تقلبات لا يد لها فيها والمحافظة على الموازنة العامة.

وشدد بيتاس على أن الإشكاليات معقدة في كل المجالات وبالتالي ينبغي تدبير الأولويات، مؤكدا أن الحكومة منسجمة فيما بينها، والأمور البرلمانية أو الحزبية مرتبط بهذه المؤسسات.

ويملك أخنوش، الذي يوصف بالمقرب من القصر وتولى وزارة الزراعة بين 2007 و2021، شركة “إفريقيا غاز” التي تعد أهم الفاعلين في سوق المحروقات بالمغرب إلى جانب شركتي “توتال” الفرنسية و”شل” الهولندية البريطانية.

ويواجه أخنوش الذي يقود ائتلافا حكوميا منذ سبتمبر/ أيلول 2021 ضغوطا كبيرة في الأشهر الأخيرة بسبب غلاء المواد الأساسية وفي مقدتها الغذائية والطاقية، جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا، ويسعى  جاهدا لامتصاص هذا الغضب المتصاعد الذي ضرب شعبية حزبه وحكومته بشكل ملحوظ.

وفي 16 مايو/ أيار 2022، أكد الوزير المكلف بالميزانية بحكومة أخنوش فوزي لقجع (تكنوقراط)، في جلسة برلمانية، صعوبة العودة لدعم المواد البترولية كما كان عليه الأمر قبل إلغائه سنة 2015.

وأضاف: “إذا أردنا العودة إلى نظام المقاصة علينا أن نقرر وفقا للدستور إلغاء الاستثمار في البلاد وإلغاء السياسة الصحية والتغطية الاجتماعية، كما لن نجد ما نمول به السياسة الأمنية، وآنذاك سندعم المحروقات ونحافظ على أسعارها”.

وأكد وزير الميزانية، أنه “ليس من الممكن أن نضع كل القدرات المالية للدولة لحل وضعية طارئة على حساب مصلحة المغاربة في التنمية، وفي إنجاز المشاريع الكبرى التي ينتظر منها تحسين حياة المغاربة على مختلف الأصعدة”.

وتابع: “هل من الممكن أن نتخلى عن مشاريع التغطية الاجتماعية وعن الصحة والتعليم ودعم المقاولة للحفاظ على مناصب الشغل لدعم مواطنين في ثمن المحروقات”.

وتساءل: “هل من المعقول أن أغلبية المواطنين التي لا تمتلك سيارات خاصة تضيع في حقها في التنمية مقابل استفادة الأقلية من مالكي السيارات الشخصية؟”.




وفي موقف أثار جدلا عاما بالبلاد، علق الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس على هذه التصريحات بالقول، إن وزير الميزانية قدم معطيات رقمية عن كلفة العودة لدعم المواد البترولية عبر صندوق المقاصة، وطلب من البرلمان أن يأخذ القرار المناسب في الموضوع. 

وأضاف بايتاس القيادي البارز بحزب التجمع الوطني للأحرار (حزب أخنوش)، بندوة صحفية في 19 ماي، أن وزير الميزانية قدم كافة السيناريوهات التي ستنتج عن عودة دعم المواد البترولية، مبينا أن قرار العودة لدعم المحروقات قرار مشترك بين الحكومة والبرلمان.

وإذا كان الناطق باسم الحكومة قد رمى اتخاذ قرار العودة إلى دعم المواد البترولية إلى البرلمان، فإن الوزير  فوزي لقجع يؤكد أن العودة إلى دعم المحروقات عبر صندوق المقاصة تتطلب تخصيص مبلغ قدره 74 مليار درهم (نحو 7.4 مليارات دولار).

ويعود “نظام المقاصة” لأربعينيات القرن العشرين، حين تم اعتماده لضمان تموين الأسواق بالمواد الأساسية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، غير أن الصندوق أصبح يواجه في السنوات الأخيرة عجزا كبيرا جراء الارتفاع المتواصل لكلفة هذا الدعم.

وهكذا، ارتفعت ميزانية الدعم من 4 مليارات درهم (400 مليون دولار) خلال سنة 2002 لتصل إلى 49 مليار درهم (4,9 مليارات دولار) في سنة 2011 و56 مليار درهم (5,6 مليارات دولار) في سنة 2012، بسبب ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية خاصة المواد البترولية. 

 

ولمواجهة الارتفاع الكبير لميزانية الدعم، تمت مباشرة إصلاح نظام المقاصة من خلال اعتماد نظام مقايسة أسعار المواد النفطية السائلة الذي تم تدبيره على مرحلتين.

تم في الأولى الشروع في تطبيق المقايسة الجزئية ابتداء من 16 سبتمبر/ أيلول 2013 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2013، من خلال إخضاع البنزين الممتاز والغازوال والفيول إلى المقايسة الجزئية مع تحديد سقف الدعم الموجه لهذه المواد في حدود الاعتمادات المرصودة في قانون الموازنة لسنة 2013.

أما المرحلة الثانية، فدخلت حيز التنفيذ ابتداء من فبراير/ شباط 2014 باعتماد نظام مقايسة كلي بحذف الدعم المطبق على كل من البنزين الممتاز والفيول وبالتقليص التدريجي للدعم الموجه للغازوال مع حذفه نهاية سنة 2014.

ومع بداية 2015 تم رفع الدعم نهائيا عن كل المحروقات السائلة (الغازوال والبنزين) وكل أنواع الفيول، وتم إخضاع أثمنة هذه المواد للمصادقة كل فاتح و16 من كل شهر.

وذلك استنادا لاتفاق المصادقة على أسعار المواد النفطية بين الحكومة والقطاع النفطي الذي هيأ قطاع المواد النفطية للتحرير الذي تم الشروع فيه ابتداء من فاتح دجنبر/كانون الأول 2015.




ويرى مراقبون أن التباين بين تصريحي لقجع وبايتاس يؤشر على وجود تضارب داخل الائتلاف الحكومي، الذي يضم أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، بخصوص العودة لدعم المواد البترولية من عدمه.

ففريق من الائتلاف الحكومي ينظر بإيجابية للعودة لدعم المحروقات الذي ستستفيد منه شركات البترول في ظل الضغط الكبير الراهن عليها لتخفيض الأسعار.

ما سينعكس بشكل مباشر على الحد من الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأساسية الأخرى، وسيساهم في تجاوز حالة السخط الشعبي على الأداء الحكومي.

وفي المقابل يرى فريق آخر داخل الائتلاف أن العودة لدعم المواد البترولية يتطلب ميزانية ضخمة لن تستطيع الحكومة توفيرها إلا عبر التخلي عن دعم قطاعات ومشاريع مهمة من قبيل مشاريع تعميم الحماية الاجتماعية، ودعم المقاولات للحفاظ على مناصب الشغل.

وأمام هذا الانقسام، يبقى السؤال القائم، هل ستعود حكومة أخنوش لدعم المواد البترولية عبر صندوق المقاصة لدعم شعبيتها وتجاوز السخط، أم أنها ستستمر في عملية “إصلاح نظام المقاصة”.

الخبير المالي والاقتصادي الطيب أعيس، رأى أن العودة لدعم المحروقات عبر صندوق المقاصة مسألة محسومة من الناحية الماكرو اقتصادية، حيث إنه لا ينبغي للمغرب أن يعود لسياسة الدعم التقليدية للمحروقات عبر نظام المقاصة.

وأضاف، أن الرجوع لدعم المحروقات عبر صندوق المقاصة يعني تضرر ميزانية الدولة بشكل كبير جدا.

وأوضح أعيس أن المستفيد من هذا الدعم بالدرجة الأولى هو شركات توزيع المحروقات ثم الأغنياء في درجة ثانية، وفي المقابل فإن المتضرر الأول هو المواطن المغربي البسيط وميزانية الدولة.

وسجل الخبير الاقتصادي والمالي، أن شركات توزيع المحروقات ستعمل باستماتة لعودة الدعم للمحروقات عبر صندوق المقاصة لأنها المستفيد الأول من هذا الصندوق.

وتوقع أعيس، أن يستجيب رئيس الحكومة عزيز أخنوش لضغوطات شركات توزيع المحروقات وأن يعمل على إعادة الدعم الذي كانت تستفيد منه هذه الشركات. 

بدوره، عد الخبير الاقتصادي المهدي الفقير، أن العودة إلى الصيغة التقليدية لدعم صندوق المقاصة “مسألة مستحيلة”.

وأضاف الفقير، في تصريح لموقع “هسبريس” المحلي، أن “المغرب بإمكانه الاستعانة بالمنتج المحلي أو تقنين بعض القطاعات، حتى يتفادى تلك الكلفة الاقتصادية الباهظة”.

من جهته، رأى الخبير الاقتصادي إدريس العيساوي، أن “تدعيم القدرة الشرائية للمواطنين اختيار سياسي اتخذته الحكومة منذ سنوات، ولا يمكن التراجع عنه”.

وأضاف العيساوي، في تصريح مماثل، أنه “يوجد نقاش حاليا بخصوص دعم المواد الأساسية، بين من ينادي برفع الدعم بصفة نهائية وبين من يطالب باستمراره بطريقة غير تقليدية”.

وبخصوص الخيارات المتاحة أمام الحكومة للحد من ارتفاع أسعار المحروقات التي تؤثر بشكل مباشر على ارتفاع باقي المواد الأساسية، رأى أعيس، أن هناك خيارات عديدة من أهمها تسقيف الهامش الربحي لشركات توزيع المحروقات.

وأضاف، أنه إذا كان ربح الشركات لم يتجاوز درهما واحدا حينما كان سعر البنزين والكازوال يتراوح بين 7 و8 دراهم، فإنه انتقل إلى درهمين عندما ارتفع سعر البنزين والكازوال إلى ما بين 14و 15 درهما.

وأكد الخبير الاقتصادي، أنه ينبغي الحفاظ على نفس الهامش الربحي للشركات كي تبقى أسعار المحروقات بأثمنة مناسبة للقدرة الشرائية للمواطنين. 

أما الخيار الثاني المتاح أمام الحكومة، حسب أعيس، فهو الحفاظ على نفس قيمة الضرائب على المواد البترولية التي كان معمولا بها سابقا.

وأفاد بأنه إذا كانت الضريبة المفروضة سابقا على المحروقات هي درهم واحد، فإنه ينبغي أن تستمر نفس القيمة لا أن ترتفع إلى درهمين أو ثلاثة دراهم. 

وخلص أعيس، إلى أن تنفيذ هذين الإجراءين يمكن لهما أن يساهما في تجاوز هذه الفترة الصعبة المرتبطة بالزيادة العالمية في المواد الأساسية وأن يعملا على الحفاظ على أسعار معقولة للمحروقات.

ونبه إلى أن استمرار ارتفاع أسعار المحروقات بهذه الوتيرة، قد تصل إلى 20 درهما مع نهاية سنة 2022، محذرا من خطورة هذا الأمر على السلم الاجتماعي بالمغرب.

وشدد أعيس على أن مواصلة ارتفاع أسعار المحروقات ستؤدي لأزمة كبيرة وسيزداد معها التضخم الذي وصل حاليا لـ4.7 بالمئة، مضيفا أن ارتفاع التضخم يؤشر على فترة صعبة وقاسية على المواطن المغربي وضربة كبيرة لقدرته الشرائية.

بينما لم يتبين على الفور الاتجاه الذي ستسير فيه الحكومة، وهل هي عازمة على التعامل مع السخط الشعبي الراهن، أم هذه النقاشات لكسب الوقت وإشغال الرأي العام بأن ثمة جهودا تبذل لتحسين الأوضاع الحالية.