تقرير: جمال السوسي
“فرنسا ظلت تحاول بجميع المحاولات للضغط على المغرب وتركيعه: مرة عبر تفعيل لوبيات الضغط في البرلمان الأوروبي ضد مصالح المغرب وضد سيادته على قراراته، ومرات أخرى عبر تفعيل الوساطات البرلمانية والحزبية”، إلى أن “كل هذه الأساليب فشلت في وضع الدولة الفرنسية على لائحة الاستثناءات من الشروط التي حددها خطاب العرش في استمرار علاقات الصداقة بين المغرب ودول العالم، والتي تمر عبر الموقف الإيجابي من سيادة المغرب على صحرائه”.
أثار توجيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابا إلى الشعب المغربي، غضباً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي واستهجانا لتجاوزه القنوات الرسمية ولصاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس، في مخالفة للأعراف الدبلوماسية وفي مزايدة مفضوحة حاول من خلالها ماكرون الالتفاف على السيادة المغربية ودس السم في العسل.
وقال ماكرون في رسالة مصوّرة خاطب فيها الشعب المغربي “من الواضح أنّه يعود إلى جلالة الملك والحكومة المغربية، بصورة سيادية بالكامل تنظيم المساعدات الدولية، وبالتالي نحن بتصرّف خيارهما السيادي”.
Marocaines, Marocains,
Nous sommes à vos côtés. pic.twitter.com/0gyKVuxaIM— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) September 12, 2023
وأضاف الرئيس الفرنسي في مقطع الفيديو الذي نشره على منصّة إكس (تويتر سابقاً) أنّ “هذا ما فعلناه بطريقة طبيعية تماماً منذ اللحظة الأولى، وبالتالي أودّ من كلّ السجالات التي تفرّق وتعقّد الأمور في هذا الوقت المأسوي للغاية أن تصمت، احتراماً للجميع”.
وأكد خبراء في العلاقات الدولية إن مخاطبة رئيس دولة لشعب دولة أجنبية بشكل مباشر أمر غير مقبول، ولا يحترم الأعراف والقواعد المرعية في العلاقات الدبلوماسية بين الدول. وجاءت كلمة ماكرون بعدما امتنع المغرب عن قبول مساعدات عرضتها عليه فرنسا إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب منطقة الحوز الأسبوع الماضي، وذلك إثر تقييم احتياجاتها.
ورد ناشطون وإعلاميون مغاربة على خطاب ماكرون، من بينهم الصحفي والمذيع الصديق معنينو الذي عبر في مقطع فيديو عن استنكاره وإدانته لتجاوز ماكرون في حق المغرب والمغاربة.
من جهته ، علّق سعيد بركنان، محلل سياسي، على خطاب ماكرون بالقول إن “فرنسا ظلت تحاول بجميع السبل ومنذ مدة طويلة تذويب جبل الثلج الذي خيم على العلاقات المغربية الفرنسية بسبب الموقف الرمادي لباريس من سيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية: مرة عبر تفعيل لوبيات الضغط في البرلمان الأوروبي ضد مصالح المغرب وضد سيادته على قراراته، ومرات أخرى عبر تفعيل الوساطات البرلمانية والحزبية”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “كل هذه الأساليب فشلت في وضع الدولة الفرنسية على لائحة الاستثناءات من الشروط التي حددها خطاب العرش في استمرار علاقات الصداقة بين المغرب ودول العالم، والتي تمر عبر الموقف الإيجابي من سيادة المغرب على صحرائه”.
وقال معنينو، مدير الإذاعة والتلفزيون المغربي سابقا، إنه “في الوقت الذي تتجه فيه أنظار الشعب المغرب إلى المناطق المنكوبة بسبب الزلزال، وفي الوقت الذي توجه الملك محمد السادس إلى مستشفى مراكش لزيارة الجرحى لمواساتهم والاطمئنان عليهم، وفي الوقت الذي كانت فيه آلاف الشاحنات متوجهة إلى المناطق المتضررة من الزلزال، من أجل التخفيف من آلام المواطنين هناك.. يخرج علينا الرئيس الفرنسي بخطاب موجه مباشرة إلى الشعب المغربي”. واصفاً خطابه بـ”السابقة الخطيرة في العلاقات الدولية”.
وتساءل معنينو في مقطع فيديو بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتداوله الناشطون بكثافة “هل يمكن لماكرون أن يوجه مثل هذا الخطاب إلى الشعب الروسي أو الألماني؟، بالتأكيد لا يمكن لماكرون أن يفعل ذلك”.
تصريح السيد محمد الصديق معنينو الصحافي و الكاتب والمؤرخ بشأن الرعونة المكرونية.
المرجو النشر بشكل واسع و التعليق بجميع لغات العالم لفضح الوقاحة و الخبث و الكيد الذي تمارسه فرنسا المكرونية ضدنا في وقت نلملم فيه جراحنا.#Marocseisme#زلازل_المغرب #France #Macronie#فرنسا pic.twitter.com/JugWgO3reR
— محمد جليل Mohamed Jalil (@s_im0h_ja_lil) September 13, 2023
وأجمع رواد مواقع التواصل في المغرب على أن رسالة الرئيس ماكرون قد وصلت، وجوابها هو أن المغاربة وراء ملكهم ونظامهم ومؤسساتهم، وإذا ما وافق الملك محمد السادس على مساعدات فرنسا فسيكونون أول المرحبين بها والشاكرين لها، وأكدوا أن المغاربة يفرقون جيدا بين الدول الصديقة والدول التي تحاول الاستفادة من أزماته والظهور بمظهر الداعمة في حين أن مواقفها السياسة أثبتت العكس مرارا وتكرارا، وقال ناشط:
السيدي "الميكروب"
1/شعب المغرب يسمى <<المغاربة>> و ليس المغربيون
2/ المغرب و المغاربة يشكرونك على مشاعرك الطيبة و التي لسوء الحظ لا تعكس مطلقا مواقفك السياسية المعادية للمغرب و المغاربة بحيث هناك تناقض واضح و فاضح بين المشاعر و بين المواقف السياسية و الصحراء المغربية#ماكرون pic.twitter.com/bknwxVtTzo— Elhoucine Elmouden (@lbig_elmouden) September 13, 2023
وأضاف معلق:
لا نحتاجكم ولا نحتاج مساعداتكم ، قبلنا المساعدات من اشقائنا و اصدقائنا الحقيقيين اما من يستغل هذه الكارثة التي وقع فيها المغرب لتمرير خطابا سياسية بائدة لن نقبل بها أبدا .
— Moulay Med Amine (@MoulayMedAmine1) September 12, 2023
وأكد ناشط:
كل الانقلبات التي عرفها المغرب وحتى احتلال أسبانيا الصحراء المغربية ومشكل البوليساريو كانت من وراءه فرنسا
دولة تقتات على حساب الأفارقة— GM Valdor (@GmValdor) September 12, 2023
وجاء في تعليق
ماكرون في خرجة غبية سيكون لها توابعها يخاطب الشعب المغربي بعدما احس بالاهانة،لتجاهل المغرب الرسمي له …كولو لفرنسا ماناش زازايريين ،المغاربة لا يحتاجون مساعدتك لنا اصدقاء واشقاء يقومون بالواجب pic.twitter.com/M6nzqLU1hF
— Harbaz Nabil (@HarbazNabil) September 12, 2023
وكانت وزارة الداخلية المغربية قد أصدرت بيانا قالت فيه إنها أجرت تقييما دقيقا للاحتياجات في الميدان، آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وأعلن المغرب الأحد قبوله دعماً من أربع دول هي إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، لكنّه لم يطلب المساعدة من فرنسا، ما أثار امتعاض الإعلام الفرنسي الذي هاجم المغرب في الظرف الصعب الذي تعيشه البلاد، متجاهلا أن من حق المغرب أن يقيم احتياجاته والمساعدات التي يحتاجها من الدول الشقيقة والصديقة والتي تربطه بها علاقات وثيقة.
ورأت الصحافة الفرنسية أن الرباط رفضت مساعدات باريس، وجاءت عناوينها هجومية مثل “بالنسبة لملك المغرب، السياسة تسبق الإنسانية”، و”لماذا يرفض المغرب المساعدات الفرنسية؟”، و”لماذا قبِل المغرب المساعدة من إسبانيا ورفضها من فرنسا؟”،
أما صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية فنشرت غلافا تضمن صورة مؤلمة لأحد المتضررين من زلزال المغرب بعنوان “المغرب: ساعدونا نحن نموت في صمت”.
لكن دول أوربية عديدة، احترمت القرار المغربي ولم تأخذ المنهج الذي سارت عليه السياسة الفرنسية، حيث أكدت ألمانيا أنها “لا تعتقد” أن قرار رفض المغرب المساعدة مدفوع بأسباب سياسية، فيما اعتبر وزير الخارجية الإيطالية، أنطونيو تاياني، لإذاعة “آر.تي.إل” أن الرباط اختارت تلقّي المساعدات من الدول التي تربطه بها علاقات وثيقة فقط.
بالمقابل، عبّرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عن امتعاضها من التغطية الإعلامية لعدد من وسائل الإعلام الفرنسية والجزائرية، “التي هاجمت المغرب بحُجّة عدم قبوله المساعدات التي يعرضها بلدها، وتعمدت تسييس القضية وتجييش الرأي العام الفرنسي ضد المملكة”.
وأوضحت أكبر نقابة للصحفيين بالمغرب، أنه بالرغم من إصدار الحكومة المغربية بيانا توضيحيا، كشفت من خلاله عن المنهجية التي يعتمدها المغرب، وإعلانها ترحيبها بكل مساعدات الدول الصديقة والشقيقة، إلا أن “جزءا من الإعلام الفرنسي واصل حملته بنشر عدد من الأخبار والرسوم الكاريكاتورية التي تحاول تصوير الدولة المغربية بطريقة توحي بالعجز والتواطؤ في منع وصول المساعدات”.
واستنكر ناشطون مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، تصاعد حملة الإعلام الفرنسي ضد المغرب، مشيرين إلا أنه لم يحترم لا الشهداء ولا الحزن الذي تمر منه البلاد عقب كارثة الزلزال.
وقال المدير السابق للإذاعة والتلفزيون إن الصحفيين الفرنسيين “وجهوا سكاكينهم ضد المغرب دون اعتبار لأدنى شروط وأخلاقيات المهنة، بُغية تحقيق هدف واحد يتمثل في مهاجمتنا ملكا وشعباً”.
ورأى آخرون أن فرنسا أصبحت في مأزق في أفريقيا كلها بسبب سياساتها الاستعلائية وتجاهلها حقوق الشعب، وموقف الرئيس ماكرون تجاه المغرب هو أحدها، فكتب مغرد:
توتر في العلاقات المغربية الفرنسية إثر رفض المغرب قبول المساعدات الفرنسية لضحايا الزلزال واعتذار الملك محمد السادس الرد على مكالمة هاتفية من مسيو ماكرون بذريعة أنه مشغول بإدارة عمليات الإنقاذ، والصحف الفرنسية تشن حملة ضد المغرب وملكها، يبدو بأن مسيو ماكرون مأزوم في إفريقيا كلها
— عادل حنيف داود (@davut1374) September 11, 2023
وأكد ناشط:
#المغاربة يرفضون أن يوجه لهم #ماكرون خطابا مباشرا وكأنهم هم من انتخبوه رئيسا عليهم.
لا نقبل ذلك.
رجل واحد #محمد_السادس هو من يخاطب هذا الشعب الوفي.
ربما تَتذكر زعماء #فرنسا عندما كانوا يوجهون خطاباتهم الإستعلائية ضد شعوب مستعمراتهم.
نحن حتى في هذه الفترة كان يخاطبنا ملكُّنا فقط. pic.twitter.com/X26j5jCiVs— IFARRANE Said (@ifarrane) September 13, 2023
وأبدى خبراء دوليون رأيهم في مسألة قبول المغرب للمساعدات الدولية، فذكرت سيلفي برونيل، الرئيسة السابقة لمنظمة “العمل ضد الجوع” وأستاذة الجغرافيا في جامعة السوربون والمتخصصة في الشؤون الإفريقية، أنه حين تتعرض دولة ما لكارثة، فإن أمر طلب المساعدة من دول أخرى متروك لها.. إنها مسألة سيادة.
وأضافت في حوار مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، ليس هناك مجال لتدفق المساعدات من مختلف دول العالم، إلا إذا فشلت الدولة بنفسها، كما حدث في هايتي في عام 2010، وحينها جرى الحديث عن تجريد هايتي من سيادتها.
وحول ما يتعلق بالدول التي قبِلت عروضها، فقد أرسلت إسبانيا جنودا وكلاب إنقاذ من وحدة الطوارئ العسكرية، كما أرسلت بريطانيا 60 فردا من فرق البحث والإنقاذ.