دعوات للاحتجاج بالعاصمة الرباط “للتنديد بتفشي الفساد والرشوة والإفلات من العقاب”

0
442

إن ربط المسؤولية بالمحاسبة هو مقتضى دستوري إلا أنه لا يتم تفعيله، فالمغرب شهد بعض المحاكمات على المستوى القضائي وهي محاكمات في غالبها تقتصر على بعض الموظفين والمنتخبين، ولا يزال المغاربة لم يشاهدوا مثلا متابعة مسؤولين كبار كالولاة والعمال ومدراء المؤسسات العمومية الكبرى وغيرهم من الموظفين السامين. 

في هذا السياق ، دعت الجمعية المغربية لحماية المال العام إلى المشاركة في الوقفة الاحتجاجية المزمع تنظيمها يوم السبت 15 يوليوز الجاري أمام البرلمان بالرباط، للتنديد بتفشي الفساد والرشوة والإفلات من العقاب.

ووجهت الجمعية نداء عبر رئيسها محمد الغلوسي للاحتجاج على عدم توفر الحكومة على الإرادة لمحاربة الفساد والرشوة والقطع مع الإفلات من العقاب، وهو ما يؤكده إقبارها للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ولتجريم الإثراء غير المشروع وعدم مراجعة قانون التصريح بالممتلكات.

وأكد “حماة المال العام” أن البرلمان والحكومة لم يفكرا في وضع ترسانة قانونية ومنظومة تشريعية منسجمة مع المواثيق الدولية للوقاية والحد من الفساد والرشوة ونهب المال العام.

ونبه الغلوسي إلى أن الحكومة والبرلمان لهما تضارب للمصالح، وليست لديهما مصلحة نهائيا لمحاربة الفساد والرشوة.

كما أن من بين الأسباب التي تدعو للاحتجاج، حسب ذات المصدر، كون تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا تعرف طريقها للقضاء كلها، وحتى اذا عرفت طريقها فإن القضاء يتأخر في الأبحاث التمهيدية، والمتابعات والأحكام القضاىية تكون دون التطلعات ولا تتناسب والجرائم المرتكبة.

ودعت جمعية حماية المال العام للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية ووضع اليد في اليد من أجل دق ناقوس الخطر والمطالبة بالكف عن الفساد.

يعاني المغرب كمعظم البلدان العربية تفشي الفساد في جميع مناحي الحياة. والحديث عن تلك الظاهرة كان من المحرمات حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي، وذلك مع قدوم الاشتراكيين للحكم ضمن تجربة التناوب التوافقي.

وكانت حكومة عبد الرحمن اليوسفي أول من وضعت برامج لتكريس النزاهة، مثل الخطة الوطنية لتعزيز الشفافية والنزاهة في الإدارة العمومية. وفي تلك الفترة، حقق المغرب ترتيباً جيداً في مجال مكافحة الفساد، ومنذ ذلك الحين شهدت البلاد تراجعاً في مؤشرات الفساد على المستوى العالمي، وتراجعت المملكة في مؤشر إدراك الفساد لعام 2021، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، وذلك بحلول المغرب في المركز 87 من أصل 180 دولة، ليحصل على 39 نقطة على 100، متراجعاً بنقطة واحدة مقارنة مع عام 2020.

من جانبه، يؤكد الناشط في مجال الشفافية، علي صادقي، تراجع المغرب في مؤشرات عدة للحكامة، معتبراً أن الفساد في المغرب ذو طابع نسقي ومزمن، موضحاً أنه على الرغم من وجود شعارات سياسية وقوانين وهيئات لمحاربة الفساد، فإنها لا تترجم على أرض الواقع، نظراً إلى غياب إرادة سياسية للحد من ظاهرة الفساد.

ويرجع سمير بوزيد، نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية في المغرب، “تكريس ظاهرة الفساد في المملكة لعدم فعالية السياسات المتبعة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، إذ لم تستوعب جميع مقومات البعد الاستراتيجي، ولم تولِ الأهمية لتفعيل آليات إنفاذ القانون، ولم تكرس مقاربة قطاعية تشاركية فعالة، ولم تعتمد البعد الجهوي”.

مجالات الفساد

ويعاني جل القطاعات في المغرب ظاهرة الفساد، التي لم تتمكن الجهود والبرامج الحكومية المتعاقبة من القضاء عليها. ويشير سمير بوزيد إلى أن اختلالات الحكامة تكتسي في القطاعين العام والخاص مظاهر مختلفة، بدءاً من تدبير الأموال والصفقات العمومية وتدبير الشأن العام، وذلك بحسب التقارير المتوالية للمجلس الأعلى للحسابات الوطنية أو الجهوية، من حيث استنتاجات مختلف البحوث والتحقيقات الميدانية المتخصصة التي تقوم بها.

وفي واقع الفساد السياسي والانتخابي، أوضح أن “مؤشر البارومتر العالمي للفساد -تقرير منظمة الشفافية الدولية- أظهر أن الأحزاب السياسية تحتل بالتساوي مع المؤسسات التشريعية، المرتبة الرابعة في تصنيف القطاعات الأكثر تعرضاً للفساد، وذلك خلف كل من النظام القضائي والموظفين الحكوميين والشرطة.

وجاءت البيانات الواردة في مؤشر النزاهة العالمي لتعكس هذا الواقع، مؤكدة تسجيل المغرب درجات متقهقرة في ما يخص شفافية الانتخابات والتمويل السياسي. ويعتبر الخبير المغربي أن التقرير السنوي الأخير للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها كان واضحاً حينما سجل تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد، على الرغم من اعتماد المملكة توجهات لمكافحة تلك الظاهرة.

ضرورة توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد، على أن تترجمها الحكومة بشكل قوانين، انطلاقا من روح وفلسفة الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب عام 2007، والتي تفرض عليه ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية. كما أنّ وزارة العدل مطالبة بتحريك ملفات الاختلاس الراكدة في المحاكم منذ عام 2002، ما من شأنه تقديم إشارة إلى عدم غياب المحاسبة.

وبعد مراكمة عديد من برامج محاربة الفساد والرشوة، عمل المغرب منذ حراك 20 فبراير (شباط) عام 2011، على زيادة التركيز على مكافحة تلك الظاهرة، وأنشأ الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، ومنحها استقلالية، إضافة إلى “توسيع صلاحياتها لتشمل مكافحة الفساد والوقاية منه، خصوصاً من خلال المبادرة والتنسيق والإشراف، وضمان تتبع وتنفيذ السياسات العمومية ذات الصلة، وتلقي ونشر المعلومات، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة”.

وقامت البلاد كذلك بوضع “قانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، الذي يحدد العلاقات بين المجلس ومختلف هيئات التقنين الأخرى، والاختصاصات التي سيضطلع بها للسهر على ضمان احترام المنافسة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين. ويدخل القانون الجديد في إطار تفعيل مقتضيات الدستور الحديث، إذ أصبح مجلس المنافسة بصلاحيات واسعة وتقريرية، مؤسسة دستورية مكلفة تنظيم منافسة حرة ومشروعة، وضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خصوصاً من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار”، إضافة إلى إحداث لجنة مشتركة بين الوزارات على مستوى وزارة العدل والحريات، تتكفل بدراسة وتفعيل توصيات المجلس الأعلى للحسابات، بهدف تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.

000_D78U6.jpg
دشن عدد من البلدان برامج محاربة الفساد والرشوة لكن دون جدوى (أ ف ب)

وفي تقييمه تلك الجهود الرسمية، يقول سمير بوزيد، إن نظام المراقبة في المغرب يحظى بمنظومة قانونية بمستوى جيد عامة، تم تعزيزها بالتدرج من خلال إحداث عدة مؤسسات تختلف وتتكامل مهامها وآليات عملها، موضحاً أن تقييم تلك المنظومة أظهر إكراهات عدة تعترض مختلف مكوناتها، وتتجلى في الأساس بغياب تناسق جهود مختلف الأجهزة الرقابية، نظراً إلى ضعف علاقتها المؤسساتية وقصور تعاونها وتبادلها الخبرات والمعلومات، الشيء الذي يحد من فاعلية جهودها في كبح جماح الفساد والسيطرة عليه.

ويؤكد الناشط في حماية المال العام، أن “الخطط المتتالية لم تفلح في الحد من ظواهر الفساد، فلقد تبين من خلال استظهار واقع مكافحة الفساد على المستوى الوطني أن التجربة المغربية ظلت قاصرة عن الحد من تلك التعديات، ويستنتج من خلال الدراسات التقييمية لبرامج عمل الحكومات المتتالية في مجال محاربة الفساد أن الإطار الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد ما زالت تشوبه بعض مظاهر القصور”. موضحاً أن تلك المظاهر تتجلى في غياب رؤية شمولية تربط التوجهات الاستراتيجية بالأهداف والعمليات المبرمجة، وعدم إدراج المقاربة الزجرية لمكافحة الفساد، فضلاً عن غياب المواصفات الأساسية للبرمجة والتخطيط التي تسمح بتقييم فاعلية العمليات وتحديد الوحدات المسؤولة عن التنفيذ، وتوصيف الأهداف والمراحل والآجال، وتقدير الاعتمادات المخصصة، وتحديد الاحتياجات المتعلقة بالمساعدة التقنية مع وضع مؤشرات لتقييم تقدم المنجز.

ويوضح المتخصص في مكافحة الفساد أنه يجب ملاءمة السياسات الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، وتقوية آليات المساءلة وإعطاء الحساب، إضافة إلى النهوض الفاعل بالحكامة العمومية وبالحكامة السياسية، فضلاً عن تحسين مناخ الأعمال، والعمل على احترام المدة الزمنية والبرامج المدرجة في الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها.