المجتمعات الغربية تبحث بطبيعتها عن انتخاب الشخص الصالح والنظيف الذي لا تحوم حوله شبهات الفساد، لكي يتولى شؤون البلاد ويطوّر اقتصادها ويخّلصها من الفساد المالي والإداري. ولكن الواقع السياسي قد لا يبدو بهذا الإشراق، بل على العكس تماماً، يقوم كثير من الناس، خاصة في الدول النامية أو حديثة العهد بالديمقراطية، بانتخاب أو إعادة انتخاب سياسيين تحوم حولهم شبهات فساد، أو حتى ثبتت عليهم التهمة.
في هذا السياق، ربما يكون المغرب هو أحدث مثال على هذا الواقع، حيث حصل المترشح في الانتخابات البرلمانية لنصف الولاية راشيد الطالبي العلمي على أعلى نسبة أصوات رغم الولاية التشريعية الحادية عشرة ؛ تعيش حالة من فساد نواب؛ ومتابعات قضائية؛ واعتقال برلمانيين ووضعم بالسجن في انتظار استكمال التحقيقات؛ والنطق بالحكم في حقهم بالمحاكم من مختلف درجاتها.
كما كان متوقعا، شهدت جلسة افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية، التي عقدها مجلس النواب اليوم الجمعة، انتخاب راشيد الطالبي العلمي رئيسا للمجلس لما تبقى من الفترة النيابية 2021-2026، بعدما نال ثقة أصوات غالبية النواب الحاضرين في الجلسة.
فاز الطالبي العلمي مرشح الأغلبية بأصوات 264 نائبا من أصل 324 حضروا جلسة التصويت؛ فيما حصل عبد الله بووانو، مرشح حزب العدالة والتنمية ورئيس مجموعته النيابية بالمجلس، على 23 صوتا.
ويأتي انتخاب الطالبي العلمي طبقا لأحكام الفصلين 62 و65 من الدستور ومقتضيات المادة 24 من النظام الداخلي.
إعادة انتخاب شخصية مثل راشيد الطالبي العلمي لمنصب رئيس البرلمان في المغرب يمكن أن تكون تأكيدًا للثقة في السياسة التي تمثلها، ولكنها ليست بالضرورة تأكيداً مباشراً للسياسة الحكومية بشكل عام. يعكس انتخاب رئيس البرلمان عادةً إرادة الأحزاب والكتل البرلمانية الممثلة في البرلمان، وقد يكون السبب وراء إعادة انتخابه هو عوامل متعددة مثل الخبرة، والكفاءة، والتوافق السياسي، والقدرة على تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف السياسية.
إذا كان راشيد الطالبي العلمي قد أُعيد انتخابه كرئيس للبرلمان، فقد يكون ذلك علامة على الاستقرار السياسي والثقة في قدرته على قيادة أعمال البرلمان بشكل فعّال. ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أن تأثير رئيس البرلمان في السياسة الحكومية يختلف عن دور الحكومة نفسها، حيث يكون دور البرلمان أكثر تركيزاً على المناقشة والتشريع.
فلماذا لجأ نسبة كبيرة من البرلمانيين إلى انتخاب راشيد الطالبي العلمي لنصف الولاية الثانية دون غيره رغم ان حوالي 145 برلمانيا متابعين في ملفات فساد؛ قد يكونون اتخذوا راشيد الطالبي العلمي قدوة لانه انجز معجزات بالتهرب الضريبي في المعمل السري؛ الذي مازالت تداعياته تلقي بضلالها في الساحة الوطنية؟ وهل المغرب هو الحالة الديمقراطية الوحيدة التي يصل فيها متهم بالفساد إلى أعلى المناصب ويقترب من سدة الحكم؟
في الحقيقة فإن مثال المغرب ليس استثناء، بل هو حالة طبيعية ومتكررة وفقاً لكثير من الدراسات والأبحاث الأكاديمية التي تناولت دراسة حالات مشابهة لفهم سبب قيام المجتمعات -خاصة حديثة العهد بالديمقراطية- بالاستمرار في انتخاب أو إعادة انتخاب أشخاص تحوم حولهم شبهات بالفساد المالي. لا غنى عن التأكيد هنا، أننا نتحدث عن مجتمعات ديمقراطية صاعدة وليس عن ديكتاتوريات أو ديموقراطيات مزعومة تُشرى فيها الأصوات وتُزّور فيها النتائج.
اتسع نطاق الملاحقات القضائية التي طالت برلمانيين ومسؤولين بارزين في المغرب، على خلفية قضايا فساد وتجارة مخدرات، خلال الآونة الأخيرة.
وفي حين يرى البعض أن ما يجري من ملاحقات قضائية يهدف إلى تعزيز مبدأ المساءلة، يعتقد آخرون أنها تتم بين فترات زمنية وأخرى، لمحاولة ترميم صورة المؤسسات الرسمية بهدف الحفاظ على الشرعية.
تحقيق.. وثائق ومعطيات تنشر لأول مرة تكشف خروقات صفقة العلمي لإنشاء موقع إلكتروني بـ250 مليون