“فتح تحقيق” فساد واختلالات مالية شابت الإصلاحات المتكررة بالمركب الرياضي محمد الخامس بـ 22 مليار

0
444

يعيش المغرب اليوم على إيقاع فضائح كبيرة تتعلق بالفساد ونهب المال العام. وبما أن أول الغيث قطرة، فإن القطرة التي أفاضت الكأس تمثلت في اعتقال شخصية سياسية كبيرة وتقديمها للعدالة على ذمّة التحقيق بتهمة تبديد المال العام.

“تم فتح تحقيق في الموضوع”، عبارة اعتاد المغاربة سماعها خلال السنوات الأخيرة كلما تعلق الأمر بقضايا تشغل الرأي العام، تحولت اليوم إلى موضوع جدل وانتقادات شديدة توجه إلى الحكومة من طرف متابعين يرون أنها مجرد مهدئ لغضب الشارع، متسائلين عن مآلات تحقيقات كثيرة فتحت ولم تُعرف نتائجها.

فتحت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، اليوم الجمعة، تحقيقاتها في ملف افتراض وجود شبهة فساد واختلالات مالية شابت الإصلاحات المتكررة التي تمت مباشرتها بالمركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء بما قدر بـ 22 مليار .

واستمعت الفرقة الوطنية لمحمد مشكور رئيس الفرع الجهوي الدار البيضاء الوسط للجمعية المغربية لحماية المال العام الذي تقدم بالشكاية، حيث تم الإستماع إليه بصفته تلك بناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.

ونبه حماة المال العام في شكايتهم إلى وجود شبهات اختلالات في الإصلاحات التي كلفت أموالا عمومية ضخمة، وصلت إلى مبلغ 22 مليارا، وهي تكلفة كبيرة لم يظهر لها أثر واضح على المركب الرياضي.

وعبر “حماة المال العام” عن أملهم في أن يتم تسريع وثيرة البحث في هذه القضية والإستماع الى كل الاطراف المعنية وفي مقدمتهما عمدة البيضاء وحجز كافة الوثائق ذات الصلة بالملف.


ودعت الجمعية إلى الكشف عن كل المتورطين ومحاسبتهم عن الوقائع موضوع الشكاية، مهما كانت مراكزهم، لأن الأمر يتعلق بأموال عمومية يخضع صرفها للقانون.

العجيب المثير في هذه القضية أن من حرّكها ليست وزارة الداخلية أو أيٍّا من الأجهزة الرسمية، وإنما الجمعية المغربية لحماية المال العام، وهي منظمة غير حكومية، تعمل جاهدة للتصدّي لبؤر الفساد قصد فضحها والتشهير بها، فهل كانت الأعين المركزية ساهية غافلة إلى هذا الحد، وهي التي تعرف معدّل ما يتنفسه المواطن المغربي من حجم الأوكسجين في الدقيقة الواحدة، أم أن الظرفية المتأزّمة التي تمر منها البلاد، والمأزق الاقتصادي الذي يعرفه العالم، هو ما دفع في اتجاه التفاف هذه الفرصة لأجل امتصاص غضب الشارع المتزايد يوما بعد آخر؟

يبدو ذلك اليوم بعيد التحقيق، ما دامت تقارير المجلس الأعلى للحسابات تعجّ بالاختلالات والتجاوزات التي تبقى مجرّد إنشاءات طويلة مملّة تملأ بها مئات الصفحات التي يتم تخزينها في رفوف النسيان واللامبالاة، وما دامت جوقة من الذين تحوم حولهم الشبهات ممسكة بتلابيب مراكز القرار بعيونٍ لا تطرف ووجوه صفيقة لا تستحي من شيء. فهل سيكون مبديع ومن معه مجرّد كبش فداء، ويكون مصيره على شاكلة الذئب الذي ضبطه فلاح وهو يفترس حمَلا صغيرا في حظيرة غنمه، فلما هوى عليه بساطور قطع ذنَبه، هرب الذئب والفلاح يجري خلفه، حتى إذا ما يئس من اللحاق به، قال له صارخا: اذهب فأنت اليوم معروفٌ يا مبتور الذنَب.

وطالب حماة المال العام بـ«تسريع الأبحاث القضائية والتحقيقات والمحاكمات في ملفات الفساد والرشوة ونهب المال العام من ضمنها 18 ملفا الذي أحاله المجلس الأعلى للحسابات على رئاسة النيابة العامة. كما شدّدوا على ضرورة سن منظومة قانونية منسجمة ومتكاملة للوقاية من الفساد والريع والرشوة وتجفيف منابعه، بما في ذلك إصدار قانون يمنع كل شخص تحوم حوله شبهات فساد بمقتضى تقارير رسمية أو متابعة قضائية من تولي أي مسؤولية عمومية ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة“. 

وبينما حذّر البيان من “خطورة تحوّل الفساد والغش إلى بنية وظاهرة اجتماعية”، طالب بوضع مناهج تربوية وتعليمية “ترسخ قيم النزاهة والاستحقاق والمساواة” و«بتحريك” المتابعات القضائية ضد المفسدين ولصوص المال العام “مهما كانت مراكزهم وظائفهم واتخاذ إجراءات حازمة ضدهم”. 

الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، عمر الشرقاوي، بدوره يرى أن “هناك انطباعا سيئا على قرار التحقيق” قبل أن يشدد على ضرورة التمييز بين أنواع التحقيقات”.

الشرقاوي يشدد في تصريحه لـ”أصوات مغاربية” على أنه “ليس بالضرورة أن يتم الكشف عن نتائج التحقيقات للعموم”، مشيرا هنا إلى “أنه لا يوجد ما يجبر السلطات على الكشف عن نتائج التحقيق للعموم بل المطلوب فقط إعلام المعنيين بالأمر وتفعيل ترتيباته”.

ويتابع المتحدث مؤكدا أن “المهم هي مآلات التحقيقات وما يليها”، مبرزا أن “هناك تحقيقات لها مآلات سياسية، بمعنى ليس لها طابع زجري أو طابع ارتكاب الجناية، ولكن يكون لها ترتيب سياسي يتمثل مثلا في الإعفاء من المسؤولية”، مضيفا “جزء من الحقيقة أن عددا كبيرا من التحقيقات لم تترتب عنه مسؤلية ولكن بعض التحقيقات كانت لها نتائج جيدة”.

وبشكل عام يرى الشرقاوي أنه “لحد الآن لا يتم الوصول إلى نتائج فعالة” مردفا أن ذلك “لا يمنع بأن يجري التحقيق لأنه يبقى الوسيلة الوحيدة المتوفرة”، قبل أن يجدد التأكيد على أن “المهم ليس هو مضمون التحقيق بقدر مآلاته ونتائجه وأن يتم في إطار زمني معقول لا أن يمتد في الزمن حتى يُنسى”.